المادية ، التي يتعبّد فيها الإنسان لذاته في نطاق الجسد ، أو في مطامع علاقاته ، هي كل همه وكل حياته ، أمّا قيم الروح المرتبطة بالله بما تتضمنه من تضحيات ، وبعد عن المادّة العمياء ، فهو بعيد عنها بعد الأرض عن السماء ، إن من جعل إرادته محبوسة في هذه الدائرة فإن الله سيعطيه ما يريد (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي لا ينقصون منها ، بل يأخذونها كاملة غير منقوصة ، لأن الله قد ربط الأشياء بأسبابها فمن أراد شيئا وعمل له ، فإن من سنّة الله أن يحصل عليه ، ولكنه لن يحصل على أكثر من ذلك.
وإذا كان هذا هو شأن الدنيا في ما يواجهه الإنسان فيها ، فإن شأن الآخرة كذلك ، فمن عاش لقيم الدنيا ، فإنه سيتنكر لقيم الآخرة ، وسيحصل على نتائج هذا التنكر في ما أعدّه الله له من عذاب (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) جزاء لما عملوه (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا) لأنهم لم يحصلوا منه على نتيجة ، فقد تركوا الدنيا كلها وجميع ما فيها من لذائذ وشهوات ، وخلّفوها وراء ظهورهم ولم يبق لهم منها شيء يستفيدون منه في دارهم الجديدة ، وهذا معنى الإحباط في عمقه الروحي ، (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، لأنه لا يمثل إلا الشيء الفاقد لمعناه ، الذي لا يتضمن إلا ملء الفراغ الوقتي ، من دون نتائج تتجاوز اللحظات الزمنية التي يمرّ بها ، فإذا ذهبت اللحظة ذهب العمل ، وهذا ما ينبغي للإنسان أن يفكر فيه عند الإقدام على أي عمل ، وهو ما يستقبله من نتائج إيجابيّة تجعل له امتدادا في حسابات المستقبل.
* * *