جعلهم يخسرون كل شيء بخسارتهم قضيّة المصير ، وذلك هو معنى خسارة النفس ، لأن الحياة في العذاب ، لا تمثل حياة ، بل موتا محتوما هو أقسى من الموت الطبيعي ، الذي يمنح الإنسان الراحة السلبية لعدم الإحساس معه بالألم والعذاب ، بينما لا يذوق الإنسان المعذب بالنار طعم الحياة ، ولا يملك راحة الميت ، كما جاء في قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [الأعلى : ١٣] ، وتلك هي الخسارة العظمى ، (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فلم يحصلوا على شيء منه ، وذهب كل ما افتروه وكذبوا به على الله ، أدراج الرياح ، كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لأنه لا يملك من الحقيقة شيئا ليبقى ببقائها ، ولا يثمر لهم أيّة نتيجة ، في ما استهدفوه من أطماع ومكاسب.
وجاء في الميزان : «عن الفرّاء أن (لا جَرَمَ) : في الأصل بمعنى : لا بد ولا مجالة ، ثم كثرت ، فحوّلت إلى معنى القسم وصارت بمعنى «حقا» ولهذا تجاب باللام ، نحو : لا جرم لأفعلنّ كذا. انتهى» (١). وعلى هذا فإن المعنى يأخذ معنى التأكيد بالقسم : أي حقا إنهم في الآخرة هم الأخسرون.
أما الوجه في أنهم هم الأخسرون ، فقد يكون الأساس فيه اعتقادهم بأن الحياة هي الفرصة الأخيرة للإنسان ، لإنكارهم لليوم الآخر ، ولهذا فإنهم لا ينتظرون أيّ عقاب على أعمالهم ، فيستسلمون لشهواتهم وأطماعهم في استرخاء لذيذ ، فإذا بهم يفاجأون بعذاب ينتظرهم في الآخرة ، لا يتوقعون مثله ، بينما ينتظر غيرهم من العاصين العذاب ، فلا تصدمهم المفاجأة ، وقد يكون الأساس أن الكافرين يفقدون كل شيء في الآخرة ، بينما لا يفقد العاصون الذين لا يخلّدون في النار ، إذا عذبوا فيها ، إلا بعضا من فرص الآخرة. والله العالم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٠ ، ص : ١٨٣.