الرسالة لذلك ، لأن الهمّ الكبير لديهم هو رضوان الله وثوابه ، (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) وخلقني من عدم ، فله الفضل عليّ في نعمة الوجود كله. ولهذا فإن الدعوة إلى عبادته ، ورفض ما عداه ، يمثل الوجه المشرق لعمليّة الشكر الإنساني بين يدي الله ، بالإضافة إلى أنه الوجه الأصيل للحقيقة الكونية والعملية في الحياة ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) وتناقشون المسألة من موقع الفكر ، لا من موقع الغريزة ، لتعرفوا طبيعة القاعدة التي ترتكز عليها حياتكم ، وطبيعة الرسول الذي يدعوكم إلى الانطلاق في خط الله.
(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فقد انحرفتم كثيرا عن طريقه ، وتمرّدتم على إرادته ، وعصيتم أحكامه ، مما يستتبع الابتعاد عن ساحة رحمته ، والوقوع في ساحة غضبه ، فارجعوا إليه في وقفة استغفار ، ليغفر لكم ذنوبكم إذا عرف منكم صدق النيّة ، وإخلاص الموقف ، وتوبوا إليه توبة نصوحا تعلن الندم عما مضي ، وتقرّر التغيير في ما يأتي ، فهو وليّ الإنسان والحياة ، فمنه قوّته ، ومنه نعمته ، ومنه قبل ذلك كله ، سرّ حياته ، فلا يستطيع الإنسان الانفصال عنه ، بل لا بد من الرجوع إليه في كل الأمور ، فإذا كنتم تريدون زيادة القوّة ، لتواجهوا كل تحديات الآخرين من حولكم بشكل أقوى ، وإذا كنتم تريدون خصب الأرض التي تسكنونها ، ووفرة الماء الذي تشربونه ، فارجعوا إليه ، بخشوع وخضوع ، (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) في هطول متتابع ، فيحيي زرعكم وأنعامكم ، (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) لأنه خالق القوة كلها ، فمنه وجودها ومنه حركتها ونموّها ، (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) أي لا تعرضوا عن هذه الدعوة ، وعن الله ، لتسيروا في خط الجريمة في العقيدة وفي السلوك.
* * *