بِمُؤْمِنِينَ) لقد أنكروا عليه الدليل على رسالته ، واعتبروها مجرد دعوى لا ترتكز على أساس ، لأنهم لا يريدون التأمل والتفكير ، في ما يدعوهم إليه من عبادة الله وحده ، والإخلاص له في الطاعة ، والارتباط به في خط السير ، إذ لم تكن قضية دعوتهم للإيمان بنبوته هي المسألة الأولى لديه ، بل كان همه أن يتأكدوا عبر حجتها والدليل من حجتها دون حاجة إلى معجزة أو ما يشبه المعجزة.
ولعلنا نلاحظ في ذلك ، أن الإلحاح كان يرتكز على مضمون الرسالة ، لا على صفة الرسول ، بحيث كانت صفة الرسولية طريقا إلى الانسجام مع خط رسالته. وهكذا كان إنكارهم للبيّنة منطلقا من عدم وعيهم للرسالة في ما تحمله من دلائل الصدق ، واعتبارهم المعجزة في خوارق العادة هي الأساس في الالتزام بالدعوة ، لذا رفضوا الابتعاد عن آلهتهم ، وترك عبادتهم باعتبار أن قوله لا يرتكز على دليل ـ حسب زعمهم ـ وقد رفضوا الإيمان به ، كمجموعة متضامنة في الوقوف ضدّه.
ويتصاعد موقفهم الرافض مسلحا بمنطق خرافي يزعم أن للآلهة تأثيرا سلبيا على من يعارضونها ويرفضون عبادتها ، ويدعون الناس إلى البراءة منها والابتعاد عنها ، ولذلك كانوا يرون في موقف هود دلالة على بعض الخلل في عقله ، فلا يتصورون المسألة منطلقة من حالة إيمان بالرفض ، بل يعتبرونها منطلقة من موقع اهتزاز في التفكير ، وهذا ما عبّروا عنه بقولهم : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) في ما يمثله ذلك من جنون يفقد معه الإنسان صوابه وسلامة فكره.
* * *