أسلوبا قرآنيا في إعطاء الأفكار ، وذلك من أجل الانفتاح على الخطوط العامة للفكر القرآني وعلى مفرداتها التفصيلية ، ولكن ذلك يتم في نزول واحد ، مع أننا لا ندرك الفائدة من وراء ذلك. فإذا كان المقصود أن يعيه النبي أوّلا في شخصيته الذاتية قبل تبليغه في حركته الرسالية ثانيا ، فإن الظاهر من تثبيت فؤاده بالطريقة التدريجية أن الوعي النبوي للقرآن كان يتحرك بطريقة تدريجية ، وعلى ضوء ذلك فقد يكون الأقرب إلى الاعتبار أن يكون المقصود من نزول القرآن في ليلة القدر ، ابتداء نزوله ، ولا سيّما إذا عرفنا أن القرآن يطلق على الآية والسورة والمجموع .. مع ملاحظة أن الآية التي تتحدث عن نزوله في ليلة القدر ، أو في ليلة مباركة هي من آيات القرآن فكيف تكون ناظرة إلى المجموع .. وعلى كل حال ، فإن طبيعة التعبير القرآني لا يأبى ذلك والله العالم.
(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) في ما أنزلناه من وحي الذي حمله الأنبياء من قبلك ، كما تحمله ـ أنت ـ في القرآن ، ليبلغوه كما تبلغه للناس وإنذارهم بعذاب الله الذي يمثل النتيجة الحاسمة لأعمالهم المنحرفة عن الخط المستقيم.
* * *
فيها يفرق كل أمر حكيم
(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وربما كان المراد بها التقديرات التي تتصل بما يحدث للناس في الحياة ، من خير وشرّ ، وطاعة ومعصية ، ومولود وأجل ورزق ، في نطاق الأسباب التي أودعها الله في واقع الحياة وإرادة الإنسان مما أحاط الله بعلمه ، وقدّره من خلال ذلك. وكأن الله سبحانه في ليلة القدر يخرج الأمور من خطوطها العامة التي تمثل الجانب النوعي من حياة المخلوقات ونظام الموجودات ، إلى خطوطها التفصيلية المتعلقة بكل مخلوق موجود على سطح الأرض ، في تدبيره المتصل بحركة عباده في الزمن ، (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) لا