مستأنسين ، أو متمتعين به كما يتمتع بالفاكهة في ما تثيره من اللذة.
(كَذلِكَ) كان واقع هؤلاء ، في ما يتنعمون به ، ويزهون به ، ويفرحون به ، ويتباهون به. ولكن ذلك لم يكن إلا حالة طارئة ، ومرحلة من المراحل التي عاشتها تلك الأرض ، ثم جاءت مرحلة أخرى في جيل جديد (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) لتكون هناك تجربة جديدة ، من حياة الناس والأرض ، (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) لأنهم لا يمثلون أيّة قيمة في ميزان الحق والخير والعدل ، ولا يملكون أيّة درجة في آفاق الروح المتصلة بالله ، ليحدث فقدهم من ساحة المسؤولية ، فراغا كبيرا بالنسبة للحياة والإنسان ، لتحزن عليهم السماء والأرض ، كناية عن التأثر الكوني بما تركوه في الوجود ، بل هم ـ على العكس من ذلك ـ يحتلون في المضمون الإنساني للحياة موقعا حقيرا لا يترك أيّ أثر من بعده ، كما أنهم لا يملكون عند الله أيّ موقع ليستجيب الله لهم طلب إمهالهم في الدنيا بعد أن يحين الأجل المحدّد لهم فيها (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) فإذا جاء الأجل نفذ من دون تأخير ، لأن مصلحة الحياة تفرض الموقف الذي يوحي بالابتعاد عنها ، انطلاقا من الحكمة الإلهية التي حددت لهم مواقعهم في الوجود ، فلا أهمية لهم تنافي ذلك.
* * *
نجاة بني إسرائيل
.. وهكذا نجح موسى في تحقيق هدفه في إنقاذ بني إسرائيل من طغيان فرعون عند ما قال له في بداية مواجهته : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) .. وذلك بفضل الرعاية الإلهية التي شمل الله هؤلاء المستضعفين بها.
(مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) ومن ضغط الطاغية الذي كان يسخّرهم في خدمة مشاريعه العمرانية والعسكرية والاقتصادية من دون مراعاة لحقوقهم الإنسانية ، ومن ذبح الأبناء واستحياء النساء وغير ذلك. (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ