هو اللون ومن فصله الذي هو قابضيّة البصر ، فإنّ السواد لمّا شارك البياض في اللونيّة وامتاز عنها بالقابضيّة ، جزم العقل بالفرق بينهما ، لقضاء الضرورة بأنّ جهة الاشتراك مغايرة لجهة الامتياز. وإنّما كان هذا التركيب ذهنيا (١) لامتناع وجود لونية مطلقة في الخارج ، وقابضيّة تنضم إليها تحصل منهما هيئة السواد ، لأنّهما إمّا محسوستان أو لا.
فإن كانتا محسوستين ، فإن ماثلا السواد امتنع تقوّمه (٢) بهما. وإن خالفاه كان لونا مخصوصا مخالفا للسواد في خصوصيته ، فيكون نوعا آخر من اللون المطلق ، ولا يكون هو اللونيّة المطلقة ، لأنّ اللونيّة المطلقة إذا كانت محسوسة فإذا انضافت القابضيّة (٣) إليها ، فإمّا أن تحدث هيئة أخرى مخصوصة أو لا. فإن لم تحدث كان المحسوس هو اللونية المطلقة و (وطبيعة الجنس هي) (٤) طبيعة النوع ، وإن حدثت هناك هيئة أخرى ، لم يكن إحساسنا بالسواد إحساسا بهيئة واحدة ، بل بهيئتين ، وهو محال.
وإن لم تكونا محسوستين فعند اجتماعهما إمّا أن تحدث هيئة محسوسة أو لا. فإن لم تحدث لم يكن السواد محسوسا. وإن حدثت هيئة محسوسة ، فتلك الهيئة المحسوسة معلولة لاجتماع اللونية والقابضيّة وهي خارجة عنهما مغايرة لهما. ولا نعني بالسواد إلّا نفس تلك الماهيّة المحسوسة ، فتكون اللونيّة والقابضيّة خارجتين لا مقومتين ، فثبت امتناع تميّز أحد جزئي السواد عن صاحبه ، بل ذلك التميّز إنّما يكون في الذهن وفي نفس الأمر ، إذ لو لا تميّز الجنس عن الفصل في نفس الأمر
__________________
(١) قال القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد للطوسي ص ١٠٥ : «قد تحيّرت أفهام العلماء في كيفية تركّب الماهية من الأجزاء المحمولة».
(٢) ق وج : «ثبوته».
(٣) في النسخ : «القابلية». أصلحناها طبقا للسياق.
(٤) ق وم : ما بين الهلالين ساقط.