الشيء الذي من شأنه ذلك العدم ، وعلى هذا الوجه لا يكون ممتنعا وذلك هو المراد من الفصول العدميّة.
وفيه نظر ، فإنّ أحدا لم يمنع كون بعض الوجوديّات من شأنها عدم خاص سواء كان فصلا أو غيره. والنزاع ليس في ذلك ، بل في كون الفصل نفسه عدميّا.
واعلم : أنّه لا يمكن أن يكون لشيء واحد فصلان ثابتان في مرتبة واحدة ، لأنّ التمييز إن حصل بأحدهما لم يكن الآخر مميّزا ، لاستحالة استناد المعلول الواحد بالشخص إلى العلل المتعدّدة ، وإن لم يحصل لم يكن فصلا. نعم يجوز أن يتركّب الفصل من أمرين ، ويكون كلّ واحد منهما فصلا ناقصا ، والفصل التام واحد هو مجموعهما ، وذلك ممّا لا نزاع فيه (١).
واعلم : أنّ الفصول الحقيقية قلّ (٢) أن يدركها الإنسان ، إلّا (٣) بواسطة أعراضها الصادرة عنها. فإذا اتّفق أن يكون لبعض الفصول أعراض متعدّدة أخذ أظهرها عند العقل وجعل فصلا ، وليس في نفس الأمر فصلا ، بل الفصل هو مبدأ ذلك العرض ، كما أنّ النفس الإنسانيّة التي هي فصل الإنسان بالحقيقة مجهولة الماهيّة عند العقل ، وإنّما تتصوّر بعوارضها. ولما صدر عنها النطق والضحك وغيرهما ، وكان النطق أظهرها ، جعل الناطق فصلا دون الضاحك ، للعلم بتقدم الناطق على الضاحك.
فإن اتّفق أن يحصل عرضان يشتبه تقدّم أحدهما على الآخر وكلاهما واضحان عند العقل ، أمكن الاستدلال بهما معا على الفصل ، كما في الحسّاس والمتحرّك بالإرادة ، فإنّ قوّة الحسّ والحركة أمران صدرا عن النفس الحيوانيّة ، ولم
__________________
(١) وذلك كفصل الحيوان فإنّه «الحسّاس» و «المتحرّك بالإرادة».
(٢) الكلمة مشوّشة في النسخ ، وما أثبتناه هو المحتمل.
(٣) في النسخ : «لا» والصحيح ما أثبتناه طبقا للسياق.