يحصل عندنا شعور بتقدّم أحدهما على الآخر ، فأخذنا هما معا في التعريف ، وليس واحد منهما بفصل ، فإنّ الحيوان ليس مركّبا من الجسم وقوّة الحس ، ولا قوّة التحريك ، لأنّ هذين أمران يعرضان للنفس الحيوانيّة بعد تحصّلها (١) ، وصيرورة بعض الأجسام باعتبارها حيوانا لكن (٢) لعدم شعورنا بالفصول في نفس الأمر ـ لا التي هي فصول في أذهاننا ـ وعدم الأسماء لها ـ لا لعارضها ـ يضطر إلى العدول عن الفصول الحقيقيّة إلى لوازمها للضرورة.
وليس كلامنا في الفصول بحسب تعقّلنا وتصرّفنا ، بل من جهة كيفية الوجود في نفسه. ولهذا الاشتباه توهّم بعض الناس جواز تعدّد الفصول في مرتبة واحدة ، وتمثّل في ذلك بالحسّاس والمتحرّك بالإرادة. والتحقيق فيه : ما قلناه. نعم يجوز أن تتعدّد فصول الشيء الواحد في مراتب متعددة كالناطق الذي هو فصل قريب ، والحساس الذي هو فصل بعيد ، والنمو الذي هو فصل أبعد.
واعلم : أنّ الفصول لما كانت عللا للأجناس وجب تناهيها ، لما يأتي من وجوب تناهي العلل ، ولأنّها أجزاء الماهيّات ، ويمتنع أن تكون للماهيّة أجزاء غير متناهية ، لامتناع تصوّرها حينئذ ، فإنّ الذهن لا يمكنه استحضار ما لا نهاية له على التفصيل. فلهذا وجب تناهي الأجناس في التصاعد والتنازل ، وإلّا لما تحصّلت الأنواع ولا الأشخاص (٣).
واعلم : أنّ الفصل الأخير هو العلّة الأولى ، فإنّ الناطقيّة علّة لوجود النفس الحيوانيّة، وهي علّة القوّة النباتيّة ، التي هي علّة الجسميّة ، التي هي علّة الجوهريّة.
__________________
(١) م : «تحصيلها».
(٢) م : حذفت عبارات بدايتها من «لكنّ» ونهايتها إلى «في نفسه».
(٣) راجع : شرح الإشارات ١ : ٨٢.