مقدّرة لا نهاية لها. وأمّا المحدث فله تفسيران : أحدهما : أنّه المسبوق بالعدم ، والثاني : أنّه المسبوق بالغير. وعلى كلا التفسيرين فالسبق هنا عند المتكلّمين إنّما هو بتقدير أزمنة لا نهاية لها.
قال الأوائل (١) : مفهوم قولنا : «كان الله تعالى موجودا في الأزل» إن كان عدميّا كان نقيضه وهو «ما كان الله تعالى في الأزل» ثبوتيا ، لكن قولنا «ما كان» عدمي ، ولأنّه إذا كان قولنا : «ما كان الله تعالى موجودا في الأزل» ثبوتيا كان المعدوم في الأزل موصوفا بوصف ثبوتي ، وهو محال.
وإن كان قولنا : «كان الله تعالى في الأزل» ثبوتيا ، فإمّا أن يكون نفس ذات الله تعالى ، أو مغايرا لها. والأوّل باطل ؛ لأنّ كونه في الأزل نسبة وإضافة لا تقوم بذاته ، بل إنّما يعقل وصفا لغيره ، فلا تأصّل له في الوجود ، بل هو من ثواني المعقولات ، والله تعالى قائم (٢) بذاته. ولأنّ كونه في الأزل نسبة له إلى الأزل ، والنسبة بين الشيئين متأخّرة عنهما ، والمتأخّر عن الشيء لا يمكن أن يكون نفس ذلك الشيء. ولأنّ كونه في الأزل ليس بحاصل الآن ، وإلّا لكان كلّ حادث الآن ، بل في كلّ آن سابق أو (٣) لاحق ، فلا تقدّم ولا تأخّر لبعض الموجودات على البعض ، وهو محال ، والله تعالى موجود الآن ، فتغايرا.
وبالجملة ، فالحكم بالتغاير ضروري أظهر من هذه البراهين ، فذلك المتغاير إن كان موجودا في الأزل ، فقد كان مع الله تعالى في الأزل غيره ، وهو محال عندكم. ولأنّ ذلك الغير هو الذي يلحقه معنى «كان» و «يكون» لذاته ، وهو الزمان ، فالزمان أزلي.
__________________
(١) وهم الفلاسفة.
(٢) م : «موجود» بدل «قائم».
(٣) م : «و» بدل «أو».