سلّمنا حصول حقيقة الوجود المطلق ، لكنّه مغاير لوجود العاقل ومخالف له.
سلّمنا ، لكنّ لا نسلّم أنّا نفتقر في تصوّر الوجود إلى صورة أخرى غير صورة الوجود الثابتة في نفس الأمر لنا ، فإنّه سيظهر أنّا ندرك ذاتنا بذاتنا لا بصورة أخرى مساوية لذاتنا في ذاتنا ، وإن افتقرنا في تصوّر غيرنا إلى صورة حالّة فينا.
وعن الثاني : أنّ تصوّر الشيء لا يتوقّف على العلم بتميّزه عن غيره وأنّه ليس ذلك الغير ، فإنّ العلم بأنّ حقيقة ما ليست غيرها علم بسلب أمر عن آخر ، والمعلوم فيه مجموع أمور ، والعلم بالمجموع متأخّر عن العلم بكلّ واحد من تلك الأمور ، فإذن العلم بالوجود لا يمكن توقّفه على أنّه ليس غيره. والأصل في ذلك ، أنّ الشيء إذا أخذ لا بشرط غيره ، كان مغايرا له إذا أخذ بشرط لا غيره ، فإنّ الأوّل بسيط والثاني مركّب ، فإذا أخذت الحقيقة بالاعتبار الأوّل لم يتوقّف تصوّرها على تصوّر غيرها ، وإذا أخذت بالاعتبار الثاني ، توقّف تصوّرها على تصوّر ذلك الغير.
وعن الثالث : بالمنع من كون البسيط غير معلوم ، إذ لو كان كذلك لامتنع تعقّل شيء البتة ، نعم إنّه غير معلوم بالحدّ ، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعمّ.
وعن الرابع : أنّ الوجود المعلوم مغاير لحقيقته تعالى على ما سيظهر الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
والجواب عن الأوّل : (١) أنّه لا يلزم من كون الشيء تبعا لغيره في الوجود ، كونه تبعا له في التصوّر. ولو كان تبعا لتصوّر غيره لم يجب كونه كسبيّا ، لجواز كون تصوّر ذلك الغير بديهيا.
__________________
(١) أي الوجه الأوّل من الموضع الثاني (الوجود صفة غير مستقلة الخ) وباقي الأجوبة أيضا مرتبطة بالوجوه المذكورة في هذا الموضع.