وسيظهر في بطلان الجزء (١) ، أنّ مثل هذا المتّصل لا يتألّف من أجزاء لا تتجزّأ. فيثبت أنّ كل حادث مسبوق بموجود غير قارّ الذات متّصل اتصال المقادير ، وهو الزمان(٢).
والاعتراض : لا نسلّم ثبوت هذه القبليّة في الخارج ، ودليلكم إنّما ينهض بثبوتها مطلقا ، وهو أعمّ من الثبوت الذهني والخارجي ، ولا يدلّ ثبوتها في الذهن على ثبوت موصوفها في الخارج ، فإنّه كما يصحّ وصف الموجود بها ، كذا يصحّ وصف المعدوم بها ، فإنّه دليلكم على ثبوت الزمان ، بل يمتنع ثبوت القبليّة والبعديّة في الخارج لوجوه (٣) :
أ : لو كانت القبليّة موجودة لزم التسلسل ؛ لأنّ القبليّة الواحدة سابقة على كل ما يتأخّر عنها ، فيفتقر إلى قبليّة أخرى ، ويلزم التسلسل لا دفعة واحدة ، بل دفعات لا تتناهى ، وهو غير معقول.
واعترضه أفضل المحقّقين : بأنّ القبليّة والبعديّة اللاحقتين بالزمان إضافيتان عقليتان ، والموجود في الخارج هو الزمان ، وهو الذي تلحقه القبليّة لذاته وتلحق ما سواه ممّا يقع فيه بسببه في العقل ، أمّا نفس القبلية فليس من الموجودات المختصّة بزمان دون زمان ، لأنّها أمر اعتباري (٤) يصحّ تعقّله في جميع الأزمنة ، وإن أخذ من حيث يقع في زمان معيّن ، كان حكمه حكم سائر الموجودات في لحوق قبليّة أخرى يعتبرها العقل به ، ولا يتسلسل ذلك ، بل ينقطع بانقطاع الاعتبار
__________________
(١) في الفصل الأوّل من النوع الأوّل من القاعدة الثالثة من المجلد الثاني.
(٢) الإشارات ٣ : ٨٢ ـ ٨٦.
(٣) انظر الوجوه في شرح الرازي على الإشارات ، وأكثرها ناش من جعله القبلية والبعدية خارجيّتين.
(٤) لأنّ الذهن يتصوّر الامتداد المتصل الموجود في الخارج ويتعقّله ، ثمّ يعتبر القبليّة والبعديّة لقطعة منه.