الآخر ليس صادرا عن الأوّل ، فما يستحق أحدهما ـ الذي هو المعلول ـ الوجود إلّا وقد حصل للآخر ـ الذي هو العلّة ـ الوجود ووصل إليه ، وأمّا الآخر (١) فليس يتوسّط أحدهما(٢) بينه وبين ذلك الآخر في الوجود (٣) ، بل يصل إليه الوجود لا عنه ، وليس يصل إلى ذلك (٤) إلّا مارّا على الآخر ، كتقدّم حركة اليد على حركة الخاتم ، فإنّه يصحّ أن يقال : لو لا حركة اليد لما تحرّك الخاتم ، ولا يصحّ أن يقال : لو لا حركة الخاتم لما تحرّكت اليد ، ويصحّ أن يقال : تحرّكت يدي فتحرّك الخاتم ، ولا يصح أن يقال : تحرّك الخاتم فتحرّكت يدي.
فهذا النوع من الترتب (٥) معلوم لكل عاقل ، وهو المراد بالتقدّم.
قيل عليه : تقدّم العلّة على المعلول إمّا أن يكون لماهيتها ، أو لنفس العلّية والمعلولية ، أو لمجموع الأمرين ، أعني : الماهية مع اعتبار العلّية والمعلولية ، والأقسام الثلاثة باطلة ، فالتقدم المذكور باطل.
أمّا بطلان الأوّل ، فلأنّا إذا فرضنا حركة اليد من حيث هي هي ، وحركة الخاتم من حيث هي هي ، لم يكن لإحداهما تقدّم على الأخرى ولا تأخّر ولا معيّة ، لأنّا قد بيّنا أنّ كلّ ماهيّة إذا اعتبرت من حيث هي هي فهي لا متقدّمة ولا متأخّرة ولا مقارنة ، ولا واحدة ولا كثيرة ، لأنّ كلّ ذلك لواحق تلحق الماهية خارجة عنها.
وأمّا بطلان الثاني ، فلأنّ العلّية والمعلولية وصفان اضافيان ، فيكونان معا في الوجود ، فيستحيل أن يكون لأحدهما تقدّم على الآخر ، وإذا كانت الماهية من حيث هي غير متقدّمة ، ولا من حيث هي علّة متقدّمة أيضا ، امتنع أن يكون
__________________
(١) وهي العلّة.
(٢) أي المعلول.
(٣) وفي تفسير «المتوسط» اختلاف بين الطوسي والرازي راجع شرح الإشارات ٣ : ١١٢.
(٤) أي المعلول.
(٥) م : «من الترتّب» محذوف.