عدم ما يقابلها ، ومقابل الوحدة ليس إلّا الكثرة ، فيلزم أن تكون الوحدة عدم الكثرة ، لكن ذلك محال ؛ لأنّ الكثرة إمّا أن تكون وجودية أو عدمية ، فإن كانت وجودية لزم أن تكون مجموع العدمات أعني الوحدات ، أمرا وجوديا ، وهو معلوم البطلان ، وإن كانت عدمية كانت الوحدة عدم هذا الأمر العدمي ، وعدم العدم ثبوت ، فتكون الوحدة ثبوتية ، وقد فرضناها عدمية ، هذا خلف ، وهذا بعينه دليل الأوائل.
وقوله : «الوحدة أمر عام عقلي ويعدّونها من الأمور العامة» مسلّم كونها كذلك ، ليس النزاع في ذلك ، بل في الوحدات الشخصية هل هي ثبوتية أم لا؟ وكلامه يعطي أنّها ليست ثبوتية في الأعيان ، ويلزم منه أن لا تكون الكثرة وجودية ، لتركبها عن الأمور الاعتبارية ، فلا يكون العدد كمّا منفصلا قسيما للمتصل ، لاستحالة كون الجنس جنسا باعتبار نوعين أحدهما ثبوتي والآخر عدمي.
والوجه : أنّ الوحدة أمر اعتباري كما قاله (١) ، والكثرة كذلك. وليست الوحدة نفس العدم حتى يلزم أن يكون عدمها ثبوتيا ، بل هي وصف ثبوتي في الذهن ، اعتباري لا تحقق له في الأعيان ، ولا يلزم من ذلك أن يكون له نقيض ثبوتي كالعمى ، فإنّ عدمه يصدق بثبوت البصر ونفيه أيضا مع انتفاء المحل ، فسقطت حجة الفلاسفة بالكلّية.
تذنيب : قال المتكلّمون : لمّا ثبت أنّ الكمّيات ليست ثبوتية لم تكن الكيفيّات المختصة بها ثبوتية ، لامتناع كون الصفة ثبوتية والموصوف عدميا.
قال أفضل المحققين : لا شك في وجود الخط المستقيم والمنحني والدائرة والكرة والزاوية، وامتياز بعضها عن بعض ، وليس ذلك إلّا كيفيّات مختصّة بالكمّيات (٢).
وفيه نظر ؛ لجواز ردّ ذلك كلّه إلى التأليف بين الأجزاء.
__________________
(١) الرازي.
(٢) نقد المحصل : ١٤٠.