وعن السادس : بأنّ القياس (١) لا عبرة به في الأمور القطعيّة ، مع أنّه لو اشتمل على الجامع لكان مفيدا للظن ، فإذا خلا عنه لم يثمر شيئا أصلا ، وقياسهم هنا خال عن الجامع.
قال بعضهم : كما أنّ الجسم لا ينتهي في الصغر إلى حدّ لا يوجد ما هو أصغر منه وإن امتنع خروج جميع الانقسامات الغير المتناهية إلى الفعل ، كذا كل عظم نفرضه للجسم يمكنك فرض ما هو أزيد منه ، ولا يجب أن ينتهي في العظم إلى حدّ لا يمكن أن يوجد ما هو أعظم منه ، وإن استحال وجود ما لا يتناهى من العظم (٢).
واعلم : أنّ مرادنا بتناهي الأبعاد ليس إلّا ما اعترف به من استحالة وجود ما لا يتناهى في العظم.
قال الشيخ : إنّه يصحّ من وجه دون وجه. أمّا وجه الصحّة ؛ فلأنّ أحد نصفي الخط إذا أضيف إليه أحد نصفي الآخر (٣) ، ثمّ أحد نصفي نصفيه ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فإنّه يزداد ذلك النصف إلى غير النهاية ، مع أنّه لا يبلغ الخط المنقسم أولا ، وهكذا الفرض من الزيادات لا يبلغ الجسم كلّ عظم اتّفق ، بل له حد لا ينتهي إليه فضلا عن أن يزيد عليه.
وأمّا وجه البطلان ، فهو أن يصل الجسم إلى كلّ حدّ من النمو والعظم ، وذلك ممتنع، وليس ذلك مثل الصغر المفروض ؛ لأنّ القسمة لا تحتاج إلى شيء خارج عن المقسوم، والزائد يكون إمّا بسبب أنّ المادة تنضم إلى الأصل ، وهو يوجب أن تكون مواد الأجسام بغير نهاية ، وإمّا بسبب تخلخل لا يقف ، فيكون هناك حيّز غير متناه ، وكلّ ذلك محال(٤).
__________________
(١) راجع النجاة : ٥٨.
(٢) راجع الفصل الثامن من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٣) أي أحد نصفي النصف الآخر.
(٤) نفس المصدر (انتهاء الفصل) مع تغييرات في العبارات.