والثاني باطل أيضا ؛ لأنّ المقدار إذا كان لذاته محتاجا إلى الموضوع استحال أن يستغني عنه بسبب عارض يحل فيه ، ولا يجوز أن يكون غنيا بذاته عن الموضوع ويعرض له ما يحوجه إليه ، لأنّ ما بالذات لا يزول بسبب العوارض.
والثالث باطل ، لأنّ المقدار حينئذ يكون ماديا ، مع أنّه قد فرض مجرّدا.
والرابع باطل ، أمّا أوّلا : فلتساوي نسبة المجرّد إلى جميع المقادير ، فلا يقتضي تخصيص بعضها بالتجرّد والاستغناء ، وبعضها بالحاجة والحلول في المادة. وأمّا ثانيا : فلأنّ المقدار حينئذ يكون لذاته محتاجا إلى الموضوع ، فلا يصير غنيا عنه بسبب غيره ، كغيره من الأعراض.
اعترض (١) بمنع استحالة تجرّد بعض المقادير لذاته ، وإن كان البعض الآخر قائما بالموضوع ، كما أنّ الحيوانية محتاجة إلى الناطقية في بعض المواضع دون البعض ، فكما استغنت الحيوانية التي في الفرس مثلا عن الناطقية ، واحتاجت الحيوانية التي في الإنسان إليها ، فليجز في بعض المقادير أن يحتاج إلى المادة ويستغني بعض المقادير في بعض الصور عنها.
وأجيب بالفرق بين المقدار والطبيعة الجنسية ، فإنّ الجسم طبيعة نوعية محصّلة وكذا السطح طبيعة أخرى نوعية ، والخط أيضا كذلك ، فلا يمكن أن يختلف مقتضى كلّ واحد منها بالحاجة والاستغناء المستندين إلى الذات باعتبار اختلاف المقارنات.
وأمّا الطبيعة الجنسية فإنّها أمر مبهم غير محصّل ، وإنّما تتحصّل بفصولها التي تضاف إليها ، وتتعيّن بها عند العقل ، ويكمل باعتبارها في العقل تصوّرها ، كالمقدار المطلق الذي هو جنس للجسم والسطح والخط ، فإنّه مبهم لا يفهم منه سرى أنّه شيء يقبل القسمة ، لكنّ هذا المفهوم غير محصّل ، ولا يكمل تصوّره إلّا
__________________
(١) راجع الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣١٩.