وقال أصحاب «أبي هاشم» (١) : أنّه زائد على الماهيّة مطلقا.
وأمّا الأوائل ، فإنّهم فصّلوا وقالوا : وجود الله تعالى نفس حقيقته ، وأمّا وجودات الممكنات ، فإنّها زائدة على ذواتها.
وسيأتي البحث في وجود واجب الوجود تعالى ، وأمّا وجود الممكنات ، فالحقّ أنّه زائد(٢) عليها لوجوه :
الأوّل : إنّ الوجود مشترك بين الموجودات على ما سبق ، فيكون مغايرا لها ، وإلّا لزم اشتراك الماهيّات في خصوصياتها ، واللازم باطل بالضرورة.
الثاني : لو كان الوجود نفس الماهيّة لكان قول القائل : الجوهر موجود يتنزّل منزلة قولنا : الجوهر جوهر ، أو الموجود موجود ، والتالي باطل قطعا ، فإنّا ندرك تفرقة بين حمل الوجود على الجوهر وبين حمل الجوهر على نفسه ، ونعقل من الأوّل قضية حملية مفيدة دون الثاني ، فيكون المقدّم باطلا.
لا يقال : إذا قلنا : السواد موجود ، أردنا به أنّ المتصوّر في العقل موجود محصّل في الخارج ، وذلك لا يقتضي أنّ كونه محصّلا في الخارج زائد عليه ، بل يقتضي امتياز كونه محصّلا في الخارج عن كونه متصوّرا في الذهن. ولأنّا نقول : الليث أسد فيفيد ، ولو قلنا : الليث ليث لم يفد.
ونقول : واجب الوجود موجود مع أنّ وجوده نفس حقيقته.
لأنّا نقول : نحن لا ندّعي أنّ الوجود زائد على كونه محصّلا في الخارج ، بل
__________________
(١) هو أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمّد الجبّائي ، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة. ولد أبو هاشم سنة ٢٤٧ من الهجرة ، وتوفي سنة ٣٢١ ببغداد ، والجبّائي ـ بضمّ الجيم وتشديد الباء الموحّدة ـ وهي نسبة إلى قرية من قرى البصرة. وفيات الأعيان ٣ : ١٨٣.
(٢) وهو رأي الحكماء بمعنى أنّه زائد عليها بتحليل العقل لا في الخارج ، خلافا للأشعري حيث يقول بعينية مفهومهما أيضا.