بها الزاد يوم المعاد وأسترفد (١) بها من الله تعالى أعظم الذخائر والفوائد.
وصلّى الله على سيّد الأنبياء وخير الأصفياء محمّد بن عبد الله ، القامع شرعه لكلّ شيطان مارد ، والموضح دينه لأنواع الحكم وأصناف المقاصد ، وعلى آله المطهّرين عن الأدناس ، المقدسين عن الخطايا والأرجاس ، الغرر الأماجد ، صلاة يدحض بها كيد كلّ كائد ويقمع عناد كلّ معاند ، وسلّم تسليما.
أمّا بعد : فإنّ الله تعالى شرّف العلماء وعظّم الفضلاء لاختصاصهم بمزيد الإفضال وتميّزهم بأسباب الكمال ، وهو حصول العلم فيهم المقتضي لارتفاعهم عن مشابهة الجمادات وامتيازهم عن العجماوات ، وجعل مساواتهم لغيرهم محلّ العجب العجاب فقال عزّ من قائل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢). وقد تطابقت الأخبار النبوية والقضايا العقلية البديهيّة على ارتفاع قدر العلماء إلى ذروة العلى ، وإنهباط منازل الجهال إلى أسفل درك الشقاء. هذا مع (٣) ما أعدّ الله تعالى لذوي البصائر والألباب وأولي النهى والصواب من مزيد الانعام وكثرة الثواب.
ثمّ (٤) إنّ العلوم متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات ، ومتفاضلة بحسب تفاضل المتعلّقات ، وبعضها سبب النجاة ، فيجب على طلّاب العلم صرف الهمم إلى البدأة بالأهم منها فالأهم.
ولا شك أنّ أهمّ المعارف وأولاها وأجلّها وأسناها ، ما يكون سببا للخلاص
__________________
(١) الرفد : العطاء ، والإرفاد : الإعطاء والإعانة ، والاسترفاد : الاستعانة. (لسان العرب ٥ : ٢٦٤).
(٢) الزمر / ٩.
(٣) ق : «مع» ساقطة.
(٤) م : «ثم قال» وهي زيادة من الناسخ.