لا يقال : إنّ هذه الأشياء من التّضريسات الواقعة على ظاهرها بمنزلة الخشونة القليلة الواقعة على ظاهر الكرة العظيمة ، فلا تخرجها عن الكرية ، لأنّه لا نسبة محسوسة لها إلى جملتها ، فإنّا لو فرضنا جبلا ارتفع نصف فرسخ ، كان نسبته إلى كرة الأرض ، كنسبة خمس سبع عرض شعيرة عند كرة قطرها ذراع.
لأنّا نقول : الكرة الحقيقة والدائرة الحقيقية لا تقبلان الأشد والأضعف والتفاوت (١) وإن قلّ جدا بحيث يثبت في نفس الأمر ، ولا يثبت عند الحسّ تخرج الطبيعة عن اقتضاء الكريّة ، فتكون الكريّة غير حاصلة.
الوجه الثاني : كلّ فلك خارج المركز فلا بدّ له من متمّمين على التبادل ، مختلفي الثخن والرقة ، فقد فعلت الطبيعة في كلّ واحد من المتمّمين أفعالا مختلفة في الثخن والرقة ، فجاز أن تفعل أفعالا مختلفة في الشكل ، وأيضا فإنّ أحد جانبي المتمّم ثخين والآخر رقيق ، فاختلف الشكل ، وإن كانت الاستدارة حاصلة.
الوجه الثالث : كلّ كوكب مركوز في فلك إمّا خارج المركز أو تدوير ، فإنّه يرتكز في نقرة في ذلك الفلك وتلك النقرة تحصل في ثخن بعض جوانب الفلك دون بعض ، فقد اختلف فعل طبيعة كلّ فلك.
الوجه الرابع : القوة المصوّرة في بدن الحيوان هي المؤثرة عندهم في أعضاء شكل الحيوان والنبات وعظمها ومقدارها وملاستها وخشونتها ، وهي قوة طبيعية بسيطة ، ولم تفد موادها أشكال الكرة ، بل سائر الأشكال غيرها.
لا يقال : السبب في ذلك أنّ مادة الحيوان مركبة غير بسيطة من أجزاء مختلفة الطبائع والقوى.
لأنّا نقول : سلّمنا ذلك ، لكن يجب أن تفعل كلّ قوة من أجزاء القوة المركبة
__________________
(١) م : «والتفاوت» ساقطة.