ج : أن يكون التحدّد بجسمين على سبيل المباينة ، وهو باطل لوجهين :
الأوّل : كلّ واحد من الجسمين إنّما يحدد جهة واحدة هي القرب منه ، ولا يتحدد البعد عنه ، فلا يكون واحد منهما يحدد الجهتين معا ، وقد قلنا : إنّ المحدد يجب أن يحدد جهتين معا.
الثاني : كلّ واحد من الجسمين له جهات لا تتناهى بحسب فرض الامتدادات الخارجة منه ، ووقوع الآخر منه في جهة من تلك الجهات وعلى بعد معين منه دون سائر الأبعاد الممكنة ، ليس بأولى من وقوعه في جهة أخرى وعلى بعد معيّن منه دون (١) غيره (٢) ممّا يمكن ، فإنّ الوقوع في كلّ جهة وعلى كلّ بعد من ذلك ممكن بحسب العقل ، وإن امتنع فلمانع مؤثر في التحديد ، وهو أيضا يجب أن يكون جسمانيا ذا وضع ، والكلام في وقوعه في بعض جهات هذين دون بعض وعلى بعد معين منهما كالكلام فيهما ، فإن علّل بهذين صار دورا ، وإلّا تسلسل.
ولمّا بطلت الأقسام بقي الرابع ، وهو أن يكون المحدد واحدا ، لا من حيث هو واحد ، ولا على أي وجه يتّفق ، بل من حيث الإحاطة ، وهي الحال الموجبة لتحديدين متقابلين. فإذن محدّد الجهات جسم واحد محيط بالأجسام ذوات الجهات.
والاعتراض من وجوه :
الوجه الأوّل : لا نسلّم أنّ هنا جهة مغايرة للمكان ، فإنّ كلّ متحيّز على الإطلاق لا بدّ له من حيث وحيّز يشار إليه بواسطته أنّه هنا أو هناك ، وهو معنى المكان ، ولهذا يقال للمتحرك إذا وصل إلى جهته إنّه قد حصل في جهته ، ولا
__________________
(١) ق وس : «دون» ساقطة.
(٢) ق : «غيرهما».