الصورتين عن الأخرى وبمخالفتها لها ، وأنّ لها تعيّنا وتخصّصا ليس لما عداها ، وأنّ الجبل والبحر المذكورين أجسام. وهذه أحكام ثبوتية.
الثالثة : المحكوم عليه بالحكم الثبوتي يجب أن يكون ثابتا ، وذلك لأنّ ثبوت شيء لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في نفسه ، وهو ضروري.
لا يقال : الوجود صفة ثبوتية ، ولا يستدعي حصولها للماهية كون الماهية ثابتة وإلّا لزم التسلسل.
ولأنّا (١) نحكم على السلب بمقابلته للإيجاب ، وليس في السلب ثبوت في نفسه ولا في الذهن ، لأنّه (٢) من حيث هو ثابت في الذهن لا يقابل الثبوت المطلق ، بل هو قسم منه ، فهو من حيث إنّه مقابل لمطلق الثبوت لا يكون ثابتا ، ولأنّا نحكم على الممتنع بالامتناع (٣) ، ولأنّا نحكم على العدم بامتناع الحكم عليه وذلك مناقضة.
لأنّا نقول : الضرورة قاضية بالفرق بين اتّصاف الشيء بالثبوت واتصاف الشيء بثبوت آخر له ، فإنّ العقل قاض بعدم اشتراط الأوّل بالثبوت وإلّا لزم التسلسل ، وباشتراط الثاني بالثبوت ، وإلّا لجاز قيام الصفات الثبوتية بالمحل المعدوم ، وذلك يفضي إلى السفسطة ، فإنّا إنّما نشاهد من الأجسام أعراضها من الكم والكيف وغير ذلك ، فلو سوّغنا قيام الموجود بالمعدوم جاز قيام هذه الصفات بأجسام معدومة وذلك باطل بالضرورة.
والتحقيق : ما تقدّم من أنّه ليس في الخارج ماهية ووجود قائم بها قيام السواد بالجسم ، بل الذهن يفصّل الشيء الموجود والمعقول إلى ماهيّة ووجود ،
__________________
(١) من هنا يبدأ القائل بذكر ثلاثة موارد من النقض.
(٢) وهذا دفع دخل مقدّر ، وهو أن للسلب ثبوتا في العقل ، بما له من الصورة العقلية.
(٣) مع أنّه لا ثبوت له.