والجواب عما ذكروه (١) : أنّ المرئي في طوق الحمامة ليس شيئا واحدا ، بل أطراف الريش ذوات جهات ، وكلّ جهة لها لون يستر لون الأخرى بالقياس إلى القائم الناظر. واختلاف الإحساس إنّما يكون لاختلاف المنفعلات ، لو سلّمنا لهم أنّ الإحساس عبارة عن انفعال البصر عن المحسوس.
الكلية الرابعة (٢) : ذهب قوم من أوائل الحكماء غير محقّقين إلى أنّ هذه الكيفيات نفس الأمزجة (٣) ، فإذا كان المزاج بحدّ ما وبحال ما كان لونا معينا وطعما معينا ، وإذا كان بحال آخر وبحدّ آخر كان لونا آخر وطعما آخر. وليس اللون والطعم وسائر ما يجري مجراها شيئا ، والمزاج شيئا آخر. بل كلّ واحد منها مزاج مخصوص يفعل في القوة اللامسة شيئا وفي القوة الباصرة شيئا آخر. وهذا المذهب باطل لوجوه :
الوجه الأوّل : ليس المزاج إلّا الكيفية الحاصلة من تفاعل الحار والبارد بحيث تستسخن بالقياس إلى البارد وتستبرد بالقياس إلى الحار ، فتكون بالحقيقة من جنس الحرارة والبرودة ، فتكون مدركة باللمس ، واللون والطعم وغيرهما ليست ملموسة ، فلا تكون هي المزاج.
الوجه الثاني : هذه الكيفيات توجد فيها غايات وأطراف في التضاد ، والأمزجة متوسطة بين الغايات فتغايرا.
__________________
(١) في انكار وجود الكيفيات المحسوسة في الخارج.
(٢) راجع طبيعيات الشفاء ، الفصل الأوّل من المقالة الثانية من الفن الرابع.
(٣) عرّف الشيخ المزاج بأنّه : «كيفية تحدث من تفاعل كيفيّات متضادة موجودة في عناصر متصغّرة الأجزاء ليماس أكثر كلّ واحد منها أكثر الآخر ، إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدث عن جملتها كيفية متشابهة في جميعها هي المزاج» طبيعيات الشفاء ، الفصل الثاني من المقالة الثانية عشر من الفن الثامن.