الميل الطبيعي يشتد عند القرب من المطلوب ، والقسري يضعف عنده ، ويشتد في الوسط ، لأنّ الطبيعة إذا خلت عن الضد والممانع أوجدت ذلك الميل الذي يقتضيه بعد الميل (١) فلا يزال يتزايد الميل ، فلا تزال الحركة تقوى وتشتد ؛ لأنّ تأثير الطبيعة وحدها أضعف من تأثيرها مع الميول التي تقويها وتعضدها.
وأيضا يقل المعاوق لها ، لأنّه في المسافة الطويلة أشد منه في القصيرة ، وإذا ضعف المعاوق اشتدّ الأثر وقوى.
وأمّا القسرية ، فلأنّ الميل القسري معاوق للطبيعة والمصاكات الخارجية ، وإذا تواتر أثرهما على المقسور ضعف الميل القسري ، ثم لا يزال يأخذ في الضعف إلى أن تقاوم الطبيعة، ثم تأخذ الطبيعة في إفنائه يسيرا يسيرا ، حتى يعدم بالكلّية لكنّه في الوسط يشتدّ ، لأنّ المرمي يتحرك في المسافة الممنوّة بالعائق ، فتحصل له مصاكّة بالعائق فيتسخن قليلا قليلا ، ويتكرر التسخن بتكرر الحكّ على المرمي ، ويكثر في وسط المسافة ، والقوة القسرية تأخذ في الضعف ، إلّا أنّ التلطيف المستفاد بالتسخّن يكون متداركا أو موفيا على المعنى الذي يفوت بالضعف ما دام في القوة ثبات ، فإذا ترادف الصّكّ على القوة واسترخت ضعف أيضا الحك ، وبلغ مبلغا لا يفي بتدارك تأثير الصك (٢).
وأيضا الوجدان دلّ على ذلك ، فإنّ تأثير السهم المرمي إلى (٣) الجسم القريب يكون ضعيفا وكذا في البعيد ، وأمّا المتوسط بينهما فإنّ تأثيره فيه يكون قويا جدا ، وذلك بقوة الميل القسري في الوسط.
__________________
(١) ق : ـ «الذي يقتضيه بعد الميل».
(٢) طبيعيات الشفاء ، أواخر الفصل الرابع عشر من المقالة الرابعة من الفن الأوّل.
(٣) م : «في».