وقيل إدراك اللون بما هو لون ، والضوء بما هو ضوء ، لا يكون إلّا في زمان ، لأنّا إذا فتحنا الكوّة ، فإمّا أن نرى الضوء في الآن الذي هو أوّل زمان فتحها وهو محال ؛ لأنّ في الآن لا يزول الساتر إلّا عن الخط والنقطة ، وهما لا يقبلان الضوء ، أو إن قبلاه لكن الضوء واللون المختصين بهما غير محسوسين ، وإنّما نراه في زمان فتحها ، وذلك يوجب ما ذكرناه.
خامسا : المشهور أنّ القوة الباصرة تتعلّق بالشخص من حيث إنّه شخص (١) لا بالماهية الكلّية. وقيل عليه : إنّا إذا رأينا شيئين متساويين مطلقا فإنّه يشتبه أحدهما بالآخر ، والاشتباه إنّما يكون لعدم الشعور بما به يخالف أحدهما الآخر ، لكن كلّ واحد منهما يخالف صاحبه من حيث هو هو ، فلو كانت القوّة الباصرة متعلقة به من حيث هو هو لما وقع الاشتباه ، لوجوب الشعور بالامتياز. والتالي فاسد فالمقدم مثله.
وفيه نظر ، لأنّ المميز بين المتشابهين القوة العقلية لا البصر ، ولمّا أدّى البصر صورتين جزئيتين متساويتين ، عجزت القوة العقلية عن التمييز بينهما ، لا (٢) أنّ البصر تعلّق بأمر كلّي ، لأنّه إنّما يتعلّق بجزئي ذي وضع.
سادسا : قيل : الأطراف ـ وهي النقطة والخط والسطح ـ مرئية ؛ لأنّا ندرك التفرقة بالحس بين العظيم والصغير ، وما ذاك إلّا للإحساس بأنّ سطح أحدهما أعظم من سطح الآخر ، ولكنّ الإحساس بها مشروط بالإحساس بالضوء واللون أوّلا ، ولهذا فإنّا لا نرى هذه الأشياء في الأجسام الشفافة.
وفيه نظر ، فإنّ الحس لا يدرك أنّ أحدهما أعظم ، فإنّ ذلك من أحكام العقل ، ومن أنكر وجودها أنكر رؤيتها.
__________________
(١) ق وس : «هو» بدلا عن «شخص».
(٢) في النسخ : «إلّا» ، أصلحناها طبقا للمعنى.