ثالثا : قيل : إدراك اللون بما هو لون أقدم من إدراك اللون المخصوص ، ومن امتيازه عن غيره. أمّا الأقدمية في الإدراك ، فلأنّ الأعمّ أعرف. ولأنّ الجسم الملوّن بالألوان المظلمة كالكحلى والأغبر إذا وضع في موضع مظلم ، أدرك البصر لذلك الجسم لونا ، وإن لم تتميز له ماهية ذلك اللون. وإذا لم يكن ذلك الموضع شديد الظلمة يرى ذلك اللون المخصوص ، فعلمنا أنّ إدراك اللون بما هو لون أقدم من إدراك اللون المخصوص.
وأمّا الامتياز فلأنّ امتيازه عن غيره حكم يدركه العقل بعد إبصار ذلك اللون المخصوص ، فيكون متأخرا عنه.
وفيه نظر ؛ لأنّ الإدراك إن عنى به الإبصار فهو لا يتناول إلّا الجزئي الشخصي دون الأعم ، فلا يمكن أن يكون الأعم أعرف عنده ، وإن أراد به التعقّل منعنا أقدمية الأعم أيضا ؛ لأنّه إنّما يعقل بواسطة الإحساس باللون الجزئي ، فتنتزع النفس حينئذ منه أمرا كليا. فالجزئي سابق عند النفس من الكلّي. والأغبر وشبهه إنّما أدرك البصر (١) لونا جزئيا مخصوصا بجسم ذي وضع مخصوص ، ولكن النفس لم تدرك التميّز حيث لم يتأدّ من المبصر (٢) القدر الذي به يحصل التميّز على التمام.
رابعا : قيل : اللون الخاص إنّما يدركه المدرك في زمان ، فإنّ الدائرة إذا أخرج من مركزها إلى محيطها خطوط كثيرة بألوان مختلفة ، ثم أديرت بسرعة شديدة فالناظر إليها في تلك الحالة يدرك لها لونا واحدا مخالفا لجميع ألوان الخطوط ، وكأنّه يكون لونا مركبا من جميع الألوان ، وما ذاك إلّا لأنّ كلّ نقطة منها لا تثبت في موضع واحد زمانا محسوسا ، فلا جرم لا يقع الإحساس بها في مواضعها خاصة ، بل تختلط تلك الألوان. ولو لم يكن الزمان المقدر معتبرا في الإبصار لم يكن الأمر كذلك.
__________________
(١) م : «يدرك المبصر».
(٢) م : «البصر».