ووقع الضوء عليه وحده فإنّه حينئذ يرى ضوؤه ، (١) فذلك ضوء وليس بلون.
الرابع : نفرض الكلام في بعض الألوان المتوسطة بين السواد والبياض ، وليكن ذلك هو الحمرة ، فنقول : إمّا أن يسلّموا أنّ لها حقيقة مخصوصة ، أو يزعموا أنّها عبارة عن اختلاف ظهورات بياضية بخفاءات سوادية. فإن ذهبوا إلى الثاني فنقول : الجسم الأحمر إذا انعكس الضوء عنه إلى جسم آخر احمرّ ذلك الجسم ، فإمّا أن ينعكس الظهور عن الأجزاء الظاهرة والخفاء عن الخفية ، وهو محال ، لأنّ الأجزاء الخفية لا تفيد الخفاء للمقابل ، فإنّ الخفاء لو كان خالصا لم يؤثر في المقابل. أو ينعكس الظهور خاصة دون الخفاء ، وهو باطل ؛ لأنّ الظاهرة لو فعلت إظهار ما يقابلها ـ والإظهار هو التبييض ـ وجب أن يزيد ابيضاض المنعكس إليه ولا يحمرّ ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
وإن ذهبوا إلى الأوّل ، وجعلوا الحمرة لونا حقيقيا في نفسه ، وزعموا أنّها إذا ظهرت فعلت فيما يقابلها مثل نفسها. فنقول : إنّها إذا كانت قليلة الظهور أفادت للمقابل مجرّد الضوء ، ولا تخفى لون المقابل ، فإذا قويت في الظهور أخفت لون المقابل ، فلو لم يكن هناك إلّا اللون وحده ، لكان يفعل عند الضعف لونا ضعيفا مثل نفسه وعند اشتداده يفعل لونا قويا مثل نفسه ، وليس كذلك ، فإنّه يفيد أوّلا ظهور لون المقابل إظهارا شديدا ، ثمّ إذا صار أقوى أخذ في إبطال لون المقابل أو إخفائه ويفيده لونا مثل نفسه ، فيكون أحد الفعلين لا محالة عن شيء غير ما عنه الآخر ، فيكون مصدر الإضاءة هو الضوء الذي لو كان الجسم لا لون له ـ وله ضوء ـ لكان يفعل ذلك ، مثل البلورة المضيئة ، والفعل الآخر يكون من لونه إذا اشتدّ ظهوره بسبب هذا الضوء حتى صار متعديا إلى المقابل. (٢)
__________________
(١) وعبارة الرازي هكذا : «ووقع الضوء عليهما فانّه حينئذ يرى ضوؤهما».
(٢) في النسخ : «القابل» ، أصلحناها طبقا للمعنى.