ومن هؤلاء من بالغ حتّى قال : ضوء الشمس ليس إلّا الظهور التام للونها ، ولذلك تبهر البصر ، فحينئذ يخفى اللون لعجز البصر ، لا لخفائه في نفسه ، كما أنّا نحس بالليل بلمعان اللوامع ؛ ولأنّ الحس لضعفه في الليل يبهره ظهور تلك الألوان ، فلا جرم لا نحس بها.
وهذا الذي ذكروه ممكن ، فإنّه يجوز أن يكون لما قالوه تأثير في اختلاف أحوال الإدراكات بحسب اختلاف الحس في القوّة والضعف ، لكن ندّعي مع ذلك أنّ الضوء كيفية وجودية زائدة على ذات اللون لوجوه (١) :
الأوّل : ظهور اللون إشارة إلى تجدد أمر ، فذلك الأمر إمّا أن يكون هو اللون ، أو صفة غير نسبيّة ، أو صفة نسبيّة. والأوّل باطل ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يجعل النور عبارة عن تجدد اللون ، أو اللون المتجدد. والأوّل يقتضي أن لا يكون الشيء مستنيرا إلّا في آن تجدّده. والثاني يقتضي أن يكون الضوء هو نفس اللون ، فلا يبقى لقولهم : الضوء هو ظهور اللون معنى. وإن جعلوا الضوء كيفية ثبوتية زائدة على ذلك اللون وسمّوه بالظهور كان هو مطلوبنا ، ويصير النزاع لفظيا.
وإن زعموا أنّ ذلك الظهور تجدّد حالة نسبيّة فهو باطل ؛ لأنّ الضوء أمر غير نسبي فلا يمكن تفسيره بالحالة النسبية.
الثاني : البياض والسواد قد يشتركان في الإضاءة والإشراق ، فإذن الضوء ثابت لهما جميعا ، فلو كان كون كلّ واحد منهما مضيئا نفس ذاته لزم أن يكون الضوء بعضه مضادا للبعض وهو محال ؛ لأنّ المقابل للضوء ليس إلّا الظلمة.
الثالث : انفكاك كلّ واحد من الضوء واللون عن صاحبه يدل على المغايرة ، وبيان الانفكاك أنّ اللون قد يوجد من غير ضوء ، فإنّ السواد قد لا يكون مضيئا ، وكذا باقي الألوان ، والضوء يوجد من دون اللون ، كالماء والبلور إذا كانا في الظلمة
__________________
(١) واستشكل صدر المتألّهين أكثرها في الأسفار ٤ : ٩٢ ـ ٩٥.