بين الشيء ولازمه (١).
والحق خلاف ما ذهبوا إليه ، فإنّ الشيء قد يكون حارا مظلما ، وباردا مضيئا. فلا يجوز أن تكون الحرارة نفس الضوء ، بل سببها. وأيضا الحرارة ملموسة غير مبصرة ، والضوء مبصر غير ملموس ، فتغايرا.
وذهب قوم منهم إلى أنّ الضوء هو ظهور اللون ، وزعموا أنّ الظهور المطلق هو الضوء، والخفاء المطلق هو الظلمة ، والمتوسط بينهما هو الظّل ، وتختلف مراتبه بحسب مراتب القرب والبعد عن الطرفين ، فإذا ألف الحس مرتبة من مراتب الخفاء ، ثمّ شاهد بعد ذلك ما هو أكثر ظهورا منه ، ظن أنّ هناك بريقا وشعاعا ، وليس كذلك ، بل سبب ذلك ضعف الحس ؛ لأنّ ظهور الأشياء اللامعة بالليل أقل من ظهور السراج الذي هو أقل من ظهور القمر الذي هو أقل من ظهور الشمس ، فالحس إذا ضعف في الظلمة وكان لتلك الأشياء اللامعة قدر من الظهور ليس لغيرها ظن ذلك الظهور كيفية زائدة.
ثمّ إذا تقوّى البصر بنور السراج ونظر إلى تلك الأشياء لم ير لها لمعانا ، لزوال ضعف الحس ، وكذلك لمعان السراج يذهب عند ضوء القمر ، ولمعان القمر يذهب عند النور الذي يكون في البيوت المستنيرة نهارا عن الشمس ، ومع ذلك فالناس يرون لظهور القمر لمعانا ، ولا يرون للنور الذي يكون في البيوت المستنيرة لمعانا ، والسبب فيه ما ذكرناه.
لا يقال : نحن ندرك التفرقة بين اللون المستنير ، واللون المظلم.
لأنّا نقول : سبب ذلك ظهور أحدهما وخفاء الآخر ، لا بسبب كيفية أخرى.
__________________
(١) قال بهمنيار : «والضوء موافق للحرارة بالطبع ، فانّ بعض الأعراض صديق لبعضها ، كما أنّ الحركة موافقة للحرارة وبالعكس» التحصيل : ٦٨٩ ـ ٦٩٠.