التي تلمع ليلا.
وهو خطأ ، فإنّ الظلمة لا يمكن أن تكون شرطا لصيرورة اللوامع مبصرة ؛ لأنّ المضيء مرئي سواء كان الرّائي في الظلمة أو في الضوء ، كالنار يراها الإنسان سواء كان في الظلمة أو في الضوء. وأمّا الشمس فإنّما لا يمكننا أن نراها في الظلمة ؛ لأنّها متى طلعت لم تبق الظلمة.
فأمّا الكواكب واللوامع ، فإنّما ترى في الظلمة دون النهار لغلبة ضوء الشمس على ضوئها ، وإذا انفعل الحس عن الضوء القوي لم ينفعل عن الضعيف ، وفي الليل لا ضوء غالب فيه على ضوئها فرؤيت.
وبالجملة فصيرورتها مرئية ليس لتوقف ذلك على الظلمة ، بل لأنّ الحس في الليل لمّا لم ينفعل عن المحسوس القوي أمكنه إدراك الضعيف ، وبالنهار يصير الحال بالعكس من ذلك ، وهذا كما أنّ الهباء (١) الذي في الجو من جنس ما يمكن أن يرى في الضوء ، ومع ذلك فإنّه لا يرى بسبب أنّ البصر إذا كان مغلوبا بضوء الشمس ، وهو محسوس قوي لا يقدر على إدراكها ، فأمّا عند ما يكون في البيت لا منفعلا عن الضوء القوي يمكنه إدراكها.
فظهر أنّ الظلمة ليست شرطا في هذا الباب ، بل السبب ضعف البصر عن إدراك الضعيف إثر القوي.
والتحقيق أن نقول : إن عنيت بكون الظلمة شرطا ، أن البصر لضعفه لا يتمكن من إدراك الضعيف الضوء نهارا لغلبة ضوء الشمس عليه فهو مسلّم ؛ لأنّ البصر كما احتاج في إدراكه للأشياء إلى الاستعانة بالضوء ، كذا يحتاج في إدراكه لبعضها إلى حدّ من الضوء متى تجاوزه لم يحصل الإدراك ، ولا نعني بالشرط سوى ذلك. وإن عنيت به أنّ تلك الأشياء في نفسها لا تكون مرئية في نفسها ، فهو
__________________
(١) الهباء : دقائق التراب المنثورة على وجه الأرض. لسان العرب ١٥ : ٢٣.