وجب أن لا ندرك كيفية من الجسم المظلم (١).
ثانيا : إذا قدرنا خلو الجسم عن الضوء من غير انضياف صفة أخرى إليه لم يكن حال ذلك الجسم إلّا هذه الظلمة ، ومتى كان كذلك لم تكن الظلمة أمرا وجوديا.
ثالثا : إذا جلس إنسان في غار مظلم ليلا لا ضوء فيه ، وجلس خارج الغار شخص أوقد نارا خارج الغار ، فإنّ الذي في الغار يرى الجالس عند النار ويرى الهواء مستنيرا (٢) ، والجالس عند النار لا يرى من في الغار ويرى الهواء مظلما ، ولو كانت الظلمة كيفية وجودية لما اختلف حالها باختلاف الأشخاص.
احتج المخالف بأنّه ليس جعل الظلمة عدم الضوء أولى من العكس ، فإمّا أن يكونا وجوديين أو عدميين ، والتالي باطل فتعيّن الأوّل.
وهذا الكلام في غاية السقوط ، لأنّ الضوء كيفية مشاهدة محسوسة لا يمكن أن تكون عدمية. والظلمة قد بيّنا أنّها ليست محسوسة ، ولا يزيد المظلم في ظلمته على عدم الضوء عنه.
رابعا : توهّم بعض الناس (٣) أنّ إبصار بعض الأجسام يتوقف على الظلمة ، والظلمة شرط في رؤيته ؛ لأنّ الجسم إمّا أن يرى بكيفية في غيره وهو الشفاف ، أو بكيفية فيه ، فإمّا أن يكون إبصار هذا الثاني متوقفا على شرط ، أو لا ، فإن كان مرئيا لذاته غير متوقف على شرط فهو المضيء ، وإن كانت صيرورته مرئيا يتوقف على شرط آخر ، فذلك الشرط قد يكون ضوءا في الألوان ، وقد يكون ظلمة كالأشياء
__________________
(١) واستشكل المصنّف على هذا الدليل في كشف المراد وقال : «وفي هذا نظر فانّه يدل على انتفاء كونها كيفية وجودية مدركة لا على أنّها وجودية مطلقا» ص ٢٢٠.
(٢) م : «مستنيرا» ساقطة.
(٣) انظر التوهّم وجوابه في الثالث من ثالثة نفس الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤١٧ ـ ٤١٨.