فالجواب : أنّ الهواء له لون ضعيف لا باعتبار ذاته ، بل بواسطة امتزاجه بغيره من الأجزاء البخارية ، فلأجل ذلك يتكيّف بضوء ضعيف لا يقع به الإحساس ، ونلتزم ما قالوه من : أنّ الضوء الحاصل في الكثيف أولى بأن لا يرى ، لأنّا إذا نظرنا إلى الجدار الذي لا تقابله الشمس فكأنّا لا نرى فيه إلّا اللون ، ولا نرى في البيت شيئا من الكيفية الحاصلة فيه عند كونها في مقابلة الشمس.
تذنيبات :
أ : ظاهر قول الرياضيين : «إنّ الضوء ينفذ من المضيء إلى الشفاف فيسري (١) في ذلك الهواء الشفاف» إنّما هو قول مجازي ، والمراد منه حدوث كيفية الضوء في المقابل دفعة من غير أن يمرّ بالهواء.
ب : الظل (٢) : عبارة عن الضوء الثاني وهو قابل للشدة والضعف بحسب شدة الضوء الأوّل الفائض منه إليه وقبول المقابل وقلّة الحجب من الحجاب ، وأضداد ذلك في الضعف. وطرفاه اللّذان هما في غاية التباعد الضوء والظلمة.
ج : الظلمة : أمر عدمي (٣) وهو عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا وليست أمرا ثبوتيا ، خلافا لجماعة من الأشاعرة ، حيث قطعوا بكونها ثبوتية ، وهو غلط لوجوه :
أوّلا : إذا غمضنا العين كان حالنا كما إذا فتحناها في الظلمة ، ولا نفرق بينهما البتة، فكما أنّا عند التغميض لا ندرك شيئا ، فكذلك إذا فتحناها [في الظلمة]
__________________
(١) م : «فيرى».
(٢) عرّفه الفارسي : «بأنّ البصر يدركه بالقياس إلى ما يجاوره من الأضواء ، وذلك أنّ الظل هو عدم بعض الأضواء مع اضاءة موضع الظل لغير ذلك الضوء المعدوم. ويشترط أن يكون الضوء المعدوم أقوى من الموجود». وقال في تعريف الظلمة : «فانّه يدركها من عدم إدراك الضوء». راجع تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر لأبي الحسن الفارسي ١ : ٢١٨.
(٣) راجع ما كتبه الشيخ في الأوّل من ثالثة سادس الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤١٧.