فإن قيل (١) : جرم الهواء ، إمّا أن يتكيّف بكيفية الضوء أو لا ، فإن تكيّف بكيفية الضوء وجب أن نحس بضوء الهواء كما نحس بضوء الجدار حال تكيّفه بالضوء الواقع عليه من الشمس وشبهها ، لكنّا لا نحس بكون الهواء مضيئا كإضاءة الجدار. وإن لم يتكيّف الهواء بكيفية الضوء لم يكن الهواء في ذاته مضيئا بذاته ولا لغيره ، فلا يضيء غيره لانتفاء مطلق الضوء عنه.
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون للهواء لون ضعيف أضعف ممّا للماء والأحجار المشفّة كالبلور ، فيكون قابلا للضوء باعتبار ما له من اللون الضعيف ، ويكون ذلك الضوء فيه ضعيفا جدا لضعف لونه ، فلا نحس بضوئه لضعفه كما نحس بالضوء الموجود في الكثيف؟
سلّمنا أنّ الهواء لا لون له ، لكن الهواء المحيط بالأرض ليس بسيطا بل خالطته أجزاء كثيفة أرضية ومائية ، وهي تقبل الضوء من الشمس ثمّ يضيء وجه الأرض.
لأنّا نقول : أمّا الأوّل فباطل ، لأنّ الضوء الذي في الهواء إن بلغ في الضعف إلى أن يصير بحيث لا يرى كان الضوء الحاصل منه في وجه الأرض أولى بأن لا يرى ، والتالي كاذب فالمقدّم مثله. وإن لم يبلغ إلى هذه النهاية كان ضوؤه مرئيا.
وأمّا الثاني فلأنّه لو صحّ ما ذكرتموه من حصول الضوء للهواء بواسطة ما خالطه من الأجزاء الكثيفة الأرضية أو المائية ، لوجب أن يكون الهواء كلّما كان أصفى وكان الغبار والبخار فيه أقل ، وجب أن يكون الضوء أضعف فيكون الضوء قبل الطلوع وبعد الغروب وفي أفنية الجدران أضعف ، لصفاء الهواء حينئذ ، ويكون كلّما كان البخار والغبار فيه أكثر وجب أن يكون الضوء فيه حينئذ أشد وأصفى ، لكن التالي كاذب ، فالمقدّم مثله.
__________________
(١) احتجاج على عدم تكيّف الهواء بكيفية الضوء راجع المصدرين السابقين.