اشتبه عليه الصوت بسببه ، فاعتقد أنّه التموّج الذي هو السبب القريب للصوت. وذهب بعضهم إلى أنّه نفس القرع والقلع اللذين هما سببان بعيدان للصوت. وقيل : إنّه اصطكاك الأجسام الصلبة. والكل باطل.
أمّا الأوّل : فلأنّ الأجسام مشتركة في الجسمية ، ومختلفة في الصوت ، وما به الاشتراك غير ما به الاختلاف. وأيضا الأجسام ملموسة ومبصرة ، إمّا بالذات أو بالعرض ، وليس الصوت بملموس ولا مبصر بالذات ولا بالعرض ، فليست الأصوات أجساما. ولأنّ الصوت مدرك بالسمع والجسم ليس مدركا به فتغايرا. وأبطل أبو هاشم هذا القول المنسوب إلى النظام بأنّ الصوت لو كان جسما لصحّ أن يبنى منه حائط أو دار ، والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله ، ولم يدل على الشرطية بشيء ، بل كأنّه أخذها مسلّمة مع أنّ لمنازع أن ينازع فيها. وليس (١) يصحّ في كلّ جسم ما ذكره ، بل من شرطه (٢) أن يكون كثيفا.
وأمّا إبطال المذاهب الأخر فلأنّ التموّج حركة وهو مبصر ، والصوت غير مبصر. وأيضا التموّج محسوس باللمس ؛ لأنّ الصوت الشديد ربّما ضرب الصماخ فأفسده. والاصطكاك والقرع مماسة ، والقلع تفريق ، وكلّ ذلك محسوس بالبصر بتوسط اللون ، ولا شيء من الأصوات يحس باللمس أو البصر ، فليس التموج والقرع والقلع بصوت.
وأيضا الشيء قد يعلم منه أنّه تموج أو قرع أو قلع ، ويجهل كونه صوتا ، ويعلم كون الشيء صوتا ويجهل كونه تموّجا ، أو قرعا ، أو قلعا. وكلّ ذلك يدل على التغاير بين الصوت وهذه الأشياء (٣).
__________________
(١) س : «فليس»
(٢) إلى هنا انتهت نسخة م من مكتبة السيّد المرعشي «رحمهالله».
(٣) وانّ الصوت كيفية حاصلة منها لا نفسها.