الخامس : لو كان بين القارع (١) وبين السامع جسم كثيف تعذر السماع وصار عسرا لعسر التموّج للهواء. والصوت الشديد قد يخرق سطح الصماخ ، وقد يبلغ في الشدة إلى أن يهدم الأبنية ويفصل الأحجار ، كالرعود القوية ، وهو يدل على أنّ الصوت لا يسمع إلّا بعد تأدّي الهواء الحامل له إلى الصماخ.
واعترض (٢) بأنّ المرجع في هذه الوجوه إلى الدوران ، وهو ضعيف ؛ لعدم إفادته اليقين.
واحتج الآخرون بوجوه :
أ : الحروف الصلبة كالباء والتاء والدال والطاء ، هيئات تحدث في الآن الفاصل بين زمان حبس النفس وزمان اطلاقه ، وذلك ممّا يمتنع بقاؤه ، فلا ثبوت لها إلّا آن حدوثها ونحن
نسمعها. فإذن قد سمعناها قبل وصول الهواء الحامل لها إلى صماخنا.
ب : حامل كلّ واحد من الحروف المسموعة ، إمّا كلّ واحد من أجزاء الهواء أو مجموع الأجزاء ، والأوّل باطل ، لأنّه يقتضي أنّ الإنسان إذا تكلّم أن يسمع السامع كلامه مرارا متعددة عند ما تصل إلى صماخه أعداد كثيرة من تلك الأجزاء. والثاني باطل ، لأنّه يقتضي أن لا يسمع كلام الواحد إلّا واحد ، لأنّ جملة الهواء إنّما تتحرك إلى جهة واحدة فلا تصل إلّا إلى صماخ واحد.
ج (٣) : إذا سمعنا الصوت عرفنا جهته ، ولو أنّا أدركناه حال وصوله إلى صماخنا لما أدركنا الجهة التي منها وصل إلينا ، كما أنّا لمّا لم ندرك الملموس إلّا حال وصوله إلينا ، لم ندرك باللمس أنّ الملموس من أي جانب جاء.
__________________
(١) ج : «القول».
(٢) والمعترض هو الرازي كما في شرح المواقف.
(٣) هذا ما استدل به القاضي عبد الجبار في المصدر نفسه.