أذنه اليمنى ويسمع الصوت بالأذن اليسرى ويشعر به ويكون المصوت على اليمين ، ومعلوم أنّه لا يصل التموّج إلى الأذن اليسرى إلّا بعد أن ينعطف على اليمين.
وفيه نظر ؛ لأنّا نمنع حينئذ إدراك الجهة. وفرقهم بين البعيد والقريب باطل ، وإلّا لكنّا لا ندرك الفرق بين البعيد القوي والقريب الضعيف ، ولكنّا إذا سمعنا صوتين متساويين في البعد ، مختلفين بالقوة والضعف ، يظن أنّ أحدهما قريب والآخر بعيد. وبالجملة : كان يشتبه علينا القوة والضعف بالقرب والبعد ، ولمّا لم يكن كذلك بطل ما قالوه.
واعترض : بأنّا نسلّم أنّا ندرك الصوت الحاصل في تلك الجهة ، لكن لا ندرك منه كونه في تلك الجهة ؛ لأنّ كونه في تلك الجهة معناه أنّه موجود في جسم حاصل في تلك الجهة ، والسمع لا تعلّق له بذلك ، وإذا كان كذلك لم يكن لإثبات الصوت قبل وصوله إلى الصماخ منفعة في إدراك جهته ، فالمعتمد في إبطال هذا الوهم ، ما تقدم من أنّا ندرك الصوت قبل وصول الهواء إلى الصماخ.
وفيه نظر ، فإنّا إنّما سعينا لإثبات الصوت في الخارج في تلك الجهة سواء كان ذلك مستفادا من الحسّ أو العقل.
قال أبو البركات في سبب إدراك الجهة : قد علمنا أنّ هذا الإدراك إنّما يحصل أوّلا بقرع الهواء المتموّج لتجويف الصماخ ، ولهذا يصل من الأبعد في زمان أطول ، لكن بمجرّد إدراك الصوت القائم بالهواء القارع لا يحصل الشعور بالجهة والقرب والبعد ، بل ذلك إنّما يحصل بتتبّع الأثر الوارد من حيث ورد وما بقي منه في الهواء الذي هو في المسافة التي منها ورد.
والحاصل : أن عند غفلتنا يرد علينا هواء قارع ، فندركه عند الصماخ ، وذلك القدر لا يفيد إدراك الجهة ، بل إنّا بعد ذلك نتبعه بتأمّلنا ، فيتأدّى إدراكنا من