وجود اللون في جهة لا جسم فيها. ولأنّ الوضع المعين إنّما يستحقه ذو الوضع بواسطة المادة المعينة فيمتنع أن لا يكون في مادة. وإن لم يكن مشارا إليه لم يكن محسوسا ، فلا يكون هو البياض الذي نبحث عنه مثلا ، لأنّا إنّما نطلق البياض على اللّون الذي من شأنه أن يفعل تفريقا في البصر ، فما لا يكون كذلك لا يكون بياضا.
وأمّا إن امتنع أن يوجد إلّا في جسم فحينئذ يكون محتاجا إلى المحل لذاته ، وقد عرفت أنّ المحتاج إلى المحل يمتنع انتقاله عنه. فإذن هذه الكيفيات أمور وجودية لا يعقل قيامها إلّا في الأجسام ، ولا معنى للعرض سوى ذلك.
اعترض : بإمكان كونها أجساما ، ونسلّم أنّ مفهوم الطول والعرض والعمق مغاير لمفهوم اللون ، ولكن هذه الأبعاد غير الجسم ، فلا يلزم من مغايرة هذه الأبعاد للّون مغايرة الجسم له ، بل هذه الأبعاد أعراض من باب الكم ، والجسم هو الأمر الذي تفرض فيه هذه الأبعاد ، فلم لا يجوز أن يكون ذلك الأمر هو نفس اللون؟
لا يقال : الجسمية عبارة عن قبول هذه الأبعاد ، والمفهوم من قبول هذه الأبعاد غير المفهوم من اللون.
لأنّا نقول : ليست الجسمية عبارة عن نفس هذه القابلية ، لأنّ القابلية أمر نسبي إضافي ، والصورة الجسمية ليست مجرد نسبة وإضافة ، بل الصورة الجسمية ماهية تلزمها قابلية هذه الأبعاد ، فلم لا يجوز أن تكون تلك الماهية هي نفس اللون؟
فالحاصل : أن كلامهم هنا إنّما يتمشى إذا جعلوا ماهية الجسم الأمر الذي تلزمه هذه القابلية ، ثم يمكنهم أن يثبتوا كون تلك الماهية مغايرة في المفهوم لمفهوم كونه لونا (١).
__________________
(١) العبارة كذا في المخطوطة ، وهي في المباحث المشرقية هكذا : «فالحاصل أنّ كلامهم في هذا الموضع إنّما يتمشّى إذا جعلوا ماهية الجسم نفس الطول والعرض والعمق وهم لا يقولون بذلك ، ومتى جعلوا ماهية الجسم الأمر الذي تلزمه هذه القابلية لم يمكنهم أن يثبتوا كون تلك الماهية مغايرة لمفهوم كونه لونا». نفس المصدر.