سلّمنا أنّ اللون ليس جسما ، فلم لا يجوز أن يكون جزءا منه؟
قولهم : يستحيل أن يتألف الجسم من اجتماع ما لا قدر له.
فنقول : الهيولى والصورة لا مقدار لأحدهما في خاص ذاته مع تركّب الجسم منهما ، فجار أن يكون اللون عديم المقدار في ذاته ويكون جزءا للجسم؟
بل الطريق أن نقول : إذا شاهدنا جسما أسود فإمّا أن يكون السواد نفس الجسمية أو داخلا فيها أو خارجا عنها. والأوّل باطل ؛ لأنّ مفهوم الجسمية مشترك بين الجسم الأسود والأبيض ، وهما متباينان في مفهوم الأسودية والأبيضية.
ولأنّ الجسم يصحّ وصفه بالأسودية والأبيضية ، ونفس الأسودية لا يصحّ وصفها بالأسودية ولا بالأبيضية.
ولأنّ السواد يضاد البياض ، والجسم لا يضاده.
والثاني أيضا باطل ؛ لأنّه لو كان السواد جزءا من الجسمية المشتركة لكان مشتركا ؛ لأنّ جزء المشترك إمّا مساو له أو أعمّ منه ؛ لاستحالة أن يكون أخص ، فيلزم أن يكون السواد مشتركا كاشتراك الجسمية ، فكل ما صدق عليه الجسمية صدق عليه أنّه أسود ، فلا يكون الأبيض وغيره جسما ، هذا خلف.
وأيضا فإمّا أن يكون كلّ واحد من السواد والبياض جزءا للجسم فكل جسم أسود وأبيض معا ، وهو باطل بالضرورة.
وأمّا خروجهما معا عن الجزئية فيكونان عارضين له ، وهو المطلوب. أو جعل أحدهما جزءا دون الآخر من غير أولوية ، وهو محال.
فوجب أن يكون السواد خارجا عن مفهوم الجسم ، فإمّا أن يصحّ وجوده مفارقا عن الجسم أو لا. والأوّل محال إذ لا خلاء في العالم حتى يوجد ذلك اللون فيه. ولأنّه لو وجدت الجهة الفارغة وفرضنا حصول السواد فيها كان لذلك السواد