وأمّا الانغمار الذي في اللين فهو قبول حركة على هيئة ، والحركة مع الهيئة غير محسوسة إلّا بواسطة ، فقد يحس الانغمار أيضا بالبصر دون اللمس ، وكذا سرعة الحركة إلى الشكل وبطؤها ، فلا يكون ذلك دليلا على أنّ الصلابة واللين أو الرطوبة أو اليبوسة قد أحسّتا بالبصر.
فإذن ليس ما يلمس هو الانغمار وعدمه ، ولا أيضا الاستعداد ، فإنّ الاستعدادات من حيث هي استعدادات معان تعقل ، وكذلك فإنّ قوّة المصارعي لا يحسها مصارعه ، بل يحس هناك صلابة المقاومة. وكذا الزق المنفوخ فيه الهواء ، فإنّ الهواء الذي فيه لم يصلب بوجه أصلا ، بل هو في طبيعته كما كان ، لكن الحس يحسه كما يحس الصلب. وكذا الرياح فإنّ الأمر الذي نحس من المقاومة هو غير الاستعداد الطبيعي الذي في الشيء الموجود ، فإنّ الهواء لم ينعقد في طبعه صلبا وإن انحصر في الزق ، ولا بأن صار ريحا ، بل الاستعداد الطبيعي موجود فيه ولا يحس به ، فإذن المعنى الذي يحس بذاته إن كان لا بدّ من معنى يحسّ بذاته هو غير ذلك الاستعداد ، وإن كان يقارنه ويصحبه وغير نفس حركة الانغمار وغير الانغمار ، فأحد هذه عدم والآخر من باب الحركة لا من باب الكيف ، والثالث من جنس الكيفيات التي في الكميات حتى دون الكيفيات الانفعالية والانفعالات. والذي يقع من هذا الجنس في المعنيين المعتبرين في الرطوبة واليبوسة هو ما يحس منهما ، والذي يقع في الباب الآخر ، أعني باب القوة واللاقوة ، هو ما لا يحس منهما وهما متلازمان». (١)
واعلم أنّ الشيخ جعل الصلابة واللين في الإشارات من الكيفيات الانفعالية. وقسّم الانفعال إلى السريع والبطيء ، لئلا يحصل الشك في الصلابة وأشباهها في كونها انفعالية ؛ لأنّها ليست ممّا لا ينفعل موضوعها ، بل هي ممّا ينفعل موضوعها بطيئا (٢).
__________________
(١) الفصل الخامس من المقالة الخامسة من مقولات الشفاء : ١٩٤ ـ ١٩٥.
(٢) شرح الاشارات ٢ : ٢٤٥.