فتذبذب الشرّاح ، فقال بعضهم : إنّه نعني به الأمور التي تسمّى في الفلسفة الأولى : كيفيات ، التي هي الأمور المفارقة أصلا كالمثل المظنونة والتعليميات ، أو كالعقول التي لا تلابس المادة. ولم يشعروا بأنّ إطلاق اسم الكيفية على ذلك ، وعلى هذه المعدودات إنّما هو بالاشتراك اللفظي. وليس حدّ الكيفية في جميعها واحدا فلا يكون ما يجمع تلك الأشياء نوعا من أنواع الكيفية زائدا على أنواع الكيفية المذكورة.
وقال آخرون : إنّ ذلك هو الثقل والخفة ، مع أنّهما عند الكل من جملة ما سلف ذكره ، ومع ذلك فإنّهم بأجمعهم جزموا تربيع الأقسام ولم يجعلوا للكيفية نوعا خارجا عن الأجناس الأربعة.
والحق أنّ هذا القسم الرابع لا بدّ منه ، لكن ليس هو ما ذكروه ، بل الكيفيات العارضة للكميات المنفصلة كالزوجية والفردية فإنّه خواص هذه الأعداد ليست أعدادا ولا فصولا لها ، بل هي عوارض تعرض لأنواعها لازمة. وليست من مقولة المضاف ولا باقي المقولات فهي من الكيفيات. وليست من الحالات والملكات ، ولا قوّة ، ولا عجز ، ولا كيفيات محسوسة ، فهذا هو النوع الذي أهملوه. ولمّا كانت هذه صعبة لم يمثل في قاطيغورياس بها ، بل بما تقدم ؛ لأنّه وضع للمبتدئين.
وطريق تمييز هذه الأقسام بعضها عن بعض أن نقول : الكيفية المختصة بالكمية إمّا أن تكون مختصّة بالمنفصل كالزوجية والفردية ، أو بالمتصل وأقسامه أربعة : الزمان ، والجسم ، والسطح ، والخط.
أمّا الزمان والجسم فلم يدل دليل على اختصاصهما بكيفية لا توجد في الجسم الطبيعي إلّا بواسطتهما. وأمّا السطح والخط ، فالعارض للخط هو الاستدارة والاستقامة. وأمّا العارض للسطح فإمّا أن يعرض له لأجل كونه محاطا بالخط ، أو ليس لأجل ذلك ، فالأوّل الشكل والثاني اللون ومجموعهما الخلقة.