اعترض بأنّكم جعلتم الكيف ما لا يوجب تصوّره تصوّر غيره ، وهيئة التربيع يوجب تصوّرها تصوّر غيرها ، فإنّ تلك الهيئة لا يمكن أن تتصوّر إلّا عند تصوّر النسب التي بين أطراف المربع التي لا تعقل إلّا بعد تعقل أطراف السطح التي لا تعقل إلّا بعد تعقل السطح ، فتعقل هيئة التربيع يتوقف على تعقل هذه الأمور ، فكيف تدخل في مقولة الكيف.
ثمّ قولكم «الوضع إنّما يحصل بسبب نسبة الأجزاء ، والشكل إنّما يحصل بسبب نسبة الأطراف ، والأطراف ليست أجزاء» ضعيف ، لأنّا إذا قلنا : الوضع هو الهيئة الحاصلة للجسم بسبب نسب الأمور المتباينة الجهة التي هي فيه ، دخل فيه الشكل ؛ لأنّ الأمور المتباينة الجهة التي في الجسم قد تكون أجزاء للجسم ، وقد تكون أطرافا له. فإذن الهيئة الحاصلة بسبب نسبة الحدود داخلة في الوضع.
وقولهم : «الوضع هو الذي يتوقف على حصول النسب التي بين أجزاء الشيء ، وبين أمور خارجية منها» ، فنقول : كل ما يتوقف تحققه على حصول نسب بين أجزاء الشيء وبين أطرافه فذلك من الوضع. وهو على قسمين : منه ما يكفي في تحققه النسب التي بين أجزائه كالتربيع والتثليث. ومنه ما لا بدّ مع ذلك من اعتبار النسب التي بين تلك الأجزاء والأمور الخارجة عنها كالجلوس والسجود ، فإذن الشكل من باب الوضع.
وفيه نظر ، فإنّه كما أنّ من الكيفيات المحسوسة ما هو بسيط كالسواد والبياض والحرارة والبرودة ، وما هو مركب كالغبرة والقتورة ، كذا من الأشكال ما هو بسيط كالكرية ، ومركب كالتربيع ، فإنّ هيئة التربيع لمّا توقف تعريفها على معرفة الحدود الأربعة التي تركبت هيئة التربيع من هيئاتها ، وجب أخذ محالها في تعقلها قائمة بها ، ولم يخرجها ذلك عن مقولتها المندرجة تحتها. وهيئة التربيع إنّما يتوقف تصوّرها على تصوّر محلها لا غير. وتبديل الأجزاء في الوضع بالأمور المتباينة الجهة يخرج الوضع المصطلح عليه ـ الذي يقع البحث فيه ـ عن حقيقته ويبقى