ويدلّ عليه أنّه كلام اليهود (١) فإمّا أن يكونوا مقرّين بإثبات الخالق أو منكرين ، فإن كان الأوّل امتنع أن يقال : خالق العالم مغلول مقيّد ، فإنّه لا يقوله عاقل ، وإن كان الثاني لم يكن لذلك الكلام فائدة فلم يبق إلّا أن يكون المراد النعمة ، لاعتقادهم أنّ نعمة الله (٢) محبوسة عن الخلق ممنوعة عنهم.
وأمّا قوله تعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، فنقول : للعلماء فيه قولان :
الأوّل : أنّ اليدين صفتان قائمتان بذاته تعالى ، يحصل بهما التخليق على وجه التكريم والاصطفاء كما في حقّ آدم عليهالسلام ؛ لأنّ قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يشعر (٣) بالعلّية للسجود ، فلو كان المراد القدرة لكانت علّة للسجود في جميع الخلق ، ولأنّها مذكورة بالتثنية ، والقدرة واحدة ، ولأنّ فيه إشعارا بأنّ آدم مخصوص بذلك ، وأنّ الحكم منفي عن غيره.
وفي هذا نظر :
أمّا أوّلا فلأنّه لو كان التخليق باليدين يوجب التكريم ومزيد الاصطفاء ، لكان تخليق البهائم والأنعام بالأيدي يوجب رجحانها على آدم عليهالسلام ، لقوله في حالها : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) (٤).
وأمّا ثانيا فلأنّه لا يدلّ على حصول العدد ، بدليل قوله تعالى : (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٥).
وأمّا ثالثا فلأنّ التخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.
الثاني : أنّ المراد القدرة وإنّما ثنّاها لكثرة العناية بآدم في تكوينه وإيجاده ، فإنّ الإنسان إذا أراد المبالغة في بعض المهمّات وتكميلها يقول : هذا عملت (٦) بيدي ، ومن
__________________
(١) كلام لليهود ـ خ : (د).
(٢) نعم الله تعالى ـ خ : (آ).
(٣) مشعر ـ خ : (آ).
(٤) يس ٣٦ : ٧١.
(٥) المجادلة ٥٨ : ١٢.
(٦) علمت ـ خ : (د) ـ والظاهر عدم الصحة ، وما أثبتناه من ـ خ : (آ) هو الصحيح.