__________________
ـ للدولة العثمانية سابقا وقد حقّق المطلب على ضوء العلم والبحث الدقيق في ردّه على الشيخ شلتوت ، وقال : بجانبنا نحن القائلين برفع عيسى عليهالسلام إلى السماء ونزوله منها عند اقتراب الساعة ـ ومعنا علماء الإسلام أجمعون غير شذّاذ آخر الزمان ـ ستّون حديثا برواية واحد وثلاثين صحابيا مذكورين بأسمائهم في إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان لمؤلّفها الفاضل جزاه الله خيرا ، وليس بجانب الخصم حديث واحد يؤيّد شذوذه غير عدم المبالاة بجيش الأحاديث المؤيدة لجانبنا ، وأمّا الآيات فلنا منها آيتان ناطقتان بالرفع : إحداهما : قطعية الدلالة لا تحتمل التأويل ، وهي آية النساء ، والأخرى ظاهرة الدلالة ، وهي آية آل عمران ، وآيتان ظاهرتان في النزول. وليس للخصم من الآيات إلّا ما توهّمه من المنافاة بين الرفع والتوفّي في آية آل عمران ، أعني قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) فنحن لا نحتاج إلى تأويل أيّ آية واردة في هذه المسألة ، بل نحمل الكلّ على ظاهره ، حتّى آية التوفّي التي هي مستند الخصم الوحيد نتركها على ظاهرها من غير تأويل ، والخصم المنكر لرفع عيسى ونزوله يتمسك بقوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ظنا منه أنّ التوفّي ظاهر في معنى الإماتة ثمّ يرهق آيتي الرفع على تأويلهما بما ينطبق على هذا التوفّي ، فيؤوّل القطعي لتطبيقه على الظاهر ، وهو ليس بظاهر ، وتأويله ليس تأويلا بمعقول من المعنى ، وإنّما هو إفساد وإلغاء للنصّ ... التوفّي بمعنى أخذ الشيء بتمامه يساوي التوفّي بمعنى الإماتة من حيث الاستناد إلى اللغة ، بل يفوقه ، حتى أنّ الزمخشري ذكر معنى الإماتة في أساس البلاغة بعد قوله : ومن المجاز. فإذا كان معنى الأخذ التامّ مساويا لمعنى الإماتة أو أظهر منها في أن يكون هو المراد في قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي إنّي آخذك من العالم الأرضي الذي أنت فيه ، فلا ضرورة في تأويل قوله بعد : (وَرافِعُكَ إِلَيَّ) برفع روحه ـ وقال في ضمن المقال وتحقيقه الرشيق ـ مع أنّا قد قضينا على ذلك الادّعاء ، بمانع آخر استنبطناه من أسلوب النظم المعجز ... وهو كون رفع روحه لا يضاد ما قبل «بل» من قتله وصلبه. فكان «الشيخ شلتوت» بتأويله في رفع عيسى يلغي رفعه ويعاكس القرآن فيما أثبت لعيسى وفيما نفى عنه. فيقول الله (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ... بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ويقول الشيخ : قتلوه والله رفع روحه إليه!!! ولا أظنّ مفشيا سرّا إذا قلت عن سائق الشيخ كاتب مقالات الردّ على القول الفصل إلى هذه المغامرات : إنّه لا يؤمن بالقرآن إيمانه باستحالة الخوارق ، فيدكّ القرآن دكّا إذا رأى آياته تنطق بالمستحيل عنده وعند فئته ...
وقال في أواخر مقاله القيم : إنّ سيدنا عيسى قتله اليهود وصلبوه في عقيدة النصارى ، وبعد قتله بأيام أحياه الله ورفعه إلى السماء ، وفي عقيدتنا نحن المسلمين رفعه الله من غير أن يسبقه القتل. فالمسلمون والنصارى متّفقون على رفعه. وعند الشيخ شلتوت أنّه لم يقتل ولم يصلب ولم يرفع بل عاش ما عاش في الأرض بعد حادثة محاولة قتله ثمّ مات فيها ميتة عادية وانتهى أمره. فعيسى اليهود مقتول بأيديهم ، وعيسى النصارى والمسلمين مرفوع إلى السماء ، وهو فيها الآن ، وعيسى الشيخ شلتوت عاش في الأرض ومات فيها كما يعيش ويموت غيره من الناس ، فأسأله إذن : أين عاش بعد حادثة محاولة قتله؟ ثم أين مات وأين قبره الآن؟ وسيكون جواب الشيخ على هذا السؤال إن كان له جواب : عيسى الآن حيث كان عيسى ـ