الثالث : بدن الإنسان (وكيفية تكوّن المركبات الثلاث) (١) وخلقه ونشئه وفوائد أعضائه وآلاته ، فخلق المعدة للهضم وجعل القوّة الهاضمة فيها وخوادمها من الجاذبة والماسكة ، وكذلك قرب المرارة منها لتصفّي الدم ممّا غلظ من المرّة الصفراء لئلّا تسري في جميع البدن فيحصل اليرقان الأصفر ، فهو يتغذى بالبعض ، ويقذف بالباقي إلى الأمعاء لتغسل (٢) ما فيها من الأثقال ، وكذا الطحال يجذب ما غلظ من المرّة السوداء لئلّا يسري في البدن كلّه فيستولي (٣) اليرقان الأسود عليه ، ثمّ الكليتان الجاذبتان لمائية الدم ؛ إذ لو لا ذلك لسرى في البدن فيحصل الاستسقاء الدقّي ، وكذا الدماغ وما يشتمل عليه من القوى الخمس كما تقدّم ذكره ، برهان قاطع بوجود مدبّر قدير.
وأمّا الكبرى فضرورية وإن أنقضت (٤) بالنحل ؛ لأنّه يبني بيتا مسدّسا يعجز حذّاق المهندسين عنه مع عدم علمه ، وبالمحتذي بغيره في نقش من النقوش التزمنا العلم في كلّ منهما ومنعنا عدمه ، أو نقول : إنّهما ليسا فاعلين أما النحل فلكونه يفعل بالطبيعة ، وأمّا المحتذي فلعدم استقلاله.
خاتمة : حيث صفاته تعالى ذاتية كما يجيء ، فكلّ ما صحّ له وصف وجب له وإلّا لم يكن ذاتيا ، هذا خلف ، وهو تعالى يصحّ أن يعلم كلّ معلوم ؛ لأنّه حيّ فيجب له ذلك ، وهو المطلوب ، وخالف هنا أقوام :
الأوّل : من منع علمه بذاته وإلّا لزم التكثّر في ذاته ؛ لكون العلم نسبة بين العالم والمعلوم ، ولا يحصل إلّا بين شيئين.
وأجيب بأنّه منقوض بعلم الواحد منّا بنفسه ، على أنّا نقول : إنّ التغاير بالاعتبار كاف ، فالذات (٥) من حيث إنّها عالمة مغايرة لها من حيث إنّها معلومة.
__________________
(١) ما بين القوسين موجود في ـ خ : (د) و ـ خ : (آ) خالية عنه ، والظاهر أنه زائد.
(٢) ويقذف الباقي إلى المعاء تغسل ما فيها ـ خ : (آ).
(٣) فيتولى ـ خ : (د).
(٤) نقضت ـ خ : (آ).
(٥) في الذات ـ خ : (د).