علمه وتمكّنه من الشرائط والآلات ؛ لعدم إمكان الفعل بدون هذه ، فيكون التكليف حينئذ بالمحال.
وإمّا راجعة إلى التكليف نفسه ، وهي انتفاء المفسدة ، أي لا تكون مفسدة للمكلّف في فعل آخر أو لغيره من المكلّفين ، وتقدّمه على زمان الفعل قدرا يتمكّن فيه من الاستدلال ، وكون متعلّقه ممكنا لما تقدّم ، واشتماله على صفة تزيد على حسنه.
الثالث : في حسنه ووجوبه ووجههما فنقول : أمّا الأوّل فلأنّه فعله تعالى ، وقد تقدم انتفاء القبيح عنه ، ووجه حسنه التعريض للثواب ؛ لأنّه لمّا خلق العبد وهيّأه لاستحقاق الثواب على التعظيم والعقاب ولم يكن إيصالهما إليه إلّا مع الطاعة أو المعصية ؛ لاشتمال الثواب على التعظيم والعقاب على الإهانة ، ولا يمكن إيصالهما إلّا مع الاستحقاق ؛ لأنّ تعظيم من لا يستحقّ التعظيم وإهانته قبيحان عقلا وشرعا فلم يكونا لائقين بالحكمة.
وأمّا الثاني : فإنّه لولاه لكان مغريا بالقبيح ، واللازم كالملزوم في البطلان ، والملازمة ظاهرة ، فإنّه لمّا خلق الإنسان وكمل عقله ، وخلق فيه شهوة للقبيح ونفرة عن الحسن مع عدم استقلال عقله بمعرفة كثير من الحسن والقبح ، لو لم يقرّر عنده وجوب
__________________
ـ بأمور كلّية ضرورية.
والأحسن في تفسير العقل هو ما قيل : إنّه غريزة يلزمها العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات عند ارتفاع الموانع. والقيد الأخير ليندرج فيه الساهي والنائم ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه عاقل مع أنّه غافل عن العلم بالأمور المذكورة ، ولذلك ذكر فخر الدين الرازي في المحصّل ص ٧٢ طبعة مصر عام ١٣٢٣ بعد الإشكال ، بأنّ العقل قد ينفكّ عن العلم كما في حقّ النائم أو اليقظان الذي لا يكون مستحضرا لشيء من وجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ما هذا لفظه : «وعند هذا يظهر أنّ العقل غريزة تلزمها هذه العلوم البديهية عند سلامة الحواسّ» وقال المحقق الطوسي (ره) في نقد المحصّل ص ٧٢ : وما ذهب إليه المصنّف هو الصواب ، فممّا ذكرنا كلّه يظهر وجه عدول المصنف (ره) عن تعبير القوم وتعبيره : بكونه عالما ، ولم يعبّر كما عبّر به المشهور بكونه عاقلا فتدبّر. وإنّما ذكر التمكّن من العلم به ليندرج فيه التكليف بكثير من السمعيات المفتقرة إلى البيان كالصلاة والحجّ والصوم ، فإنّ الجاهل بهذه الأمور قد يكون مكلّفا بها مع كونها مجهولة عنده لا يميّزها عن غيرها ، وإنّما جاز تكليفه بها لكونه متمكّنا من العلم بها من بياناتها المخصوصة أو من المفتي.