الواجب ليمتثله وحرمة الحرام ليجتنبه لكان بفعل ذلك مغريا.
وأمّا بطلان اللازم فإنّ الإغراء بالقبيح قبيح ضرورة ؛ فإنّ العقلاء كما يذمّون فاعل القبيح فكذا المغرى به والعلم بحسن الحسن وقبح القبيح واستحقاق المدح والذم عليهما غير كاف ، فإنّ كثيرا من العقلاء يعلمون ذلك ويقضون أوطارهم من اللذات القبيحة مستستهلين للذمّ غير مختلفين بالمدح وقد بان في اثناء ذلك وجه وجوبه.
الرابع : في أحكامه :
الأوّل : أنّه عامّ في حقّ المؤمن والكافر ؛ لأنّ علّته حسنه وهي التعريض لذلك ، وكون الكافر لا ينتفع به لا يقتضي قبحه ؛ لأنّ ذلك من سوء اختياره ، لوجود التمكين في حقّه كما في حقّ المؤمن.
الثاني : اتّفق الجبائيان على أنّ المؤمن إذا علم كفره لا يجب إماتته ؛ لأنّ تكليفه في المستقبل تعريض للثواب فحسن كالمبتدئ المعلوم منه الكفر.
وقال الخوارزمي : بل يجب إماتته ؛ فإنّ بقاءه مفسدة لا تحسن من الله ، وفرق بينه وبين التكليف المبتدئ بأنّ المبتدئ لم يحصل منه الغرض ، وهو التعريض للثواب ، وهذا قد حصل الغرض منه فلو أبقاه لنقض (١) غرضه ، قيل : وفيه قوة.
واختلفا في وجوب إبقاء الكافر المعلوم إيمانه فأوجبه أبو علي لما فيه من اللطفية ، ومنعه أبو هاشم ، لأنّه ممكن (٢) وليس بلطف فلا يكون واجبا ، وهذا أقوى.
ويتفرّع على هذا البحث جواب سؤال بعض الأشاعرة إلزاما : بفرض (٣) إخوة ثلاثة وردوا يوم القيامة : صبي ومؤمن وكافر فيقول الصبي : لم لا كلّفتني لأصل إلى ثواب أخي المؤمن؟ فيقول الله : إنّي علمت أنّك لو بلغت لكفرت فلهذا أمتّك ، فيقول الكافر : يا ربّ لم لا أمتّني قبل البلوغ كالطفل فتنقطع الحجّة باعتبار المصلحة؟
فيقال في الجواب : إماتة من يعلم منه الكفر ليست واجبة ، فجاز تخصيص بعض
__________________
(١) انتقض ـ خ : (آ).
(٢) تمكين ـ خ ل ـ خ : (آ).
(٣) نفرض ـ خ : (آ).