فلو استدللنا على أنّه فاعل بذلك لزم الدور.
لأنّا نقول : إنّما يستدلّ (١) بذلك على علمهم (٢) بكونه فاعلا لا على كونه فاعلا ، وهذا الجواب يتأتّى من أبي الحسين لا من المشايخ.
الثاني : أنّ العبد مأمور بالطاعة ومنهي عن المعصية ، ولو لا أن يكون فاعلا وإلّا لاستحال أمره ونهيه من الحكيم ، ألا ترى أنّه يقبح من أحدنا أمر الأعمى بنقط المصاحف والزمن (٣) بالطيران إلى السماء ويقبح منّا أمر الجماد.
قال أبو الهذيل (٤) : حمار بشر أعقل من بشر ، فإنّ حمار بشر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته لطفره ، ولو أتيت به إلى جدول كبير وضربته فإنّه لا يطفره ويروغ عنه ، لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره وبين ما لا (٥) يقدر عليه ، وبشر لا يفرّق بين المقدور له وغير المقدور (٦).
الثالث : أنّه يلزم منه الظلم من الله تعالى ، فإنّه يخلق فينا المعصية ويعاقبنا عليها.
وأمّا الأدلّة النقليّة فأكثر من أن تحصى.
__________________
(١) في «ب» «ف» : (إنّا نستدلّ) ، وفي «ج» «ر» : (إنّما نستدل).
(٢) في «ب» «س» زيادة : «الضروري».
(٣) أي المريض المقعد.
(٤) هو أبو الهذيل محمّد بن الهذيل العبدي المعروف بالعلاف المتكلّم ، كان شيخ البصريين في الاعتزال ، وكان حسن الجدال ، قوي الحجّة ، كثير الاستعمال للأدلّة ، توفّي سنة ٢٣٥ هجريّة بسر من رأى (تاريخ المعتزلة فكرهم وعقائدهم : ١٠١).
(٥) في «ب» «ر» «ف» : (وما لم) بدل من : (وبين ما لا).
(٦) قواعد المرام : ١١٠ ، وحكاه العلّامة في الرسالة السعدية : ٦٧ ، منهاج الكرامة : ٤٢ ، نهج الحق : ١٠١.