وقد حكم بوضع هذه القصّة الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (١) ، ونصّ الشهاب العراقي على أنّ من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذّبان على خطيئتهما مع الزهرة ، فهو كافر بالله تعالى العظيم (٢). وقال الإمام القاضي عياض في «الشفا» : وما ذكره أهل الأخبار ، ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت ، لم يرد فيه شيء لا سقيم (٣) ، ولا صحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس هو شيئا يؤخذ بالقياس.
وكذلك حكم بوضع المرفوع من هذه القصّة الحافظ عماد الدين ابن كثير. وأما ما ليس مرفوعا فبيّن أنّ منشأه روايات إسرائيلية أخذت عن كعب وغيره ألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام. قال ابن كثير في تفسيره بعد أن تكلم على الأحاديث الواردة في هاروت وماروت ، وأن روايات الرفع غريبة جدّا : «وأقرب ما يكون في ذلك أنه من رواية عبد الله بن عمر ، عن كعب الأحبار ، كما قال عبد الرزاق في تفسيره ، عن الثوري ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر ، عن كعب : ورفع مثل هذه الإسرائيليات إلى النبي كذب واختلاق ، ألصقه زنادقة أهل الكتاب ، زورا وبهتانا. وذكر مثل ذلك في البداية والنهاية» (٤).
قال أبو شهبة : وهذا الذي قاله ابن كثير هو الحق الذي لا ينبغي أن يقال غيره. وليس أدلّ على هذا من أن ابن جرير رواها بالسند الذي ذكره ابن كثير ، وبغيره عن ابن عمر ، عن كعب الأحبار (٥). ولكن بعض الرواة غلطا ، أو لسوء نية رفعها
__________________
(١) الموضوعات ، ج ١ ، ص ١٨٧.
(٢) روح المعاني ، ج ١ ، ص ٣٤١.
(٣) لعله أراد به الضعيف ، واعتبر ما روى مرفوعا ساقطا عن الاعتبار.
(٤) البداية والنهاية ، ج ١ ، ص ٣٧.
(٥) تفسير الطبري ، ج ١ ، ص ٣٦٣.