ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : «عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم». والمعنى : أنهم لا يتوقّعون النعمة والكرامة إلّا من ربّهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلّا إياه (١).
أنظر إلى هذا التحقيق الأنيق الذي سمحت به قريحة مثل الزمخشري العلامة الأديب الأريب ، ولكن أصحاب الرأي المعوّج لم يرقهم هذا البيان الكافي الشافي ، فجعلوا يهرولون حوله في ضجيج وعويل ، زاعمين أنه خالف رأي أهل السنة ، وأوّل القرآن وفق مذهب الاعتزال.
هذا ابن المنير الاسكندري تراه يهاجم الزمخشري في لحن عنيف ، قائلا : ما أقصر لسانه عند هذه الآية ، فكم له يدندن ويطبّل في جحد الرؤية ، ويشقق القباء ويكثر ويتعمّق ، فلما فغرت هذه الآية فاها ، صنع في مصادمتها بالاستدلال ... وما يعلم أن المتمتّع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ، ولا يؤثر عليه غيره ، كما لا يصرف العاشق إذا ظفر برؤية محبوبه النظر عنه ، فكيف بالمحبّ لله عزوجل إذا أحظاه النظر إلى وجهه الكريم. نسأل الله أن يعيذنا من مزالق البدعة ومزلّات الشبهة (٢).
ويقول الشيخ محمد عليان ـ في الهامش أيضا ـ : عدم كونه تعالى منظورا إليه ، مبني على مذهب المعتزلة ، وهو عدم جواز رؤيته تعالى. ومذهب أهل السنة جوازها.
وقال الشيخ أحمد مصطفى المراغي (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) : أي تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب. قال جمهور أهل العلم : المراد بذلك ما تواترت به الأحاديث
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٦٦٢.
(٢) بهامش التفسير ، ج ٤ ، ص ٦٦٢.