على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمّهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ فقد كفرتم بالله تعالى ، وشبّهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأنّ له خالقا صنعه وابتدعه!
قالوا : لسنا نعني هذا ، فإنّ هذا كفر كما ذكرت ، ولكنّا نعني أنّه ابنه على معنى الكرامة ، وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانة المنزلة من غيره : يا بني ، و : إنّه ابني. لا على إثبات ولادته منه ، لأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لا نسب بينه وبينه ، وكذلك لمّا فعل بعزير ما فعل كان اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فهذا ما قلته لكم : إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه ، فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى ، وإنّ الله تعالى يفضح كلّ مبطل بإقراره ، ويقلب عليه حجّته. إنّ ما احتججتم به إنّما يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم ، لأنّكم زعمتم أنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه : يا بنيّ ، وهذا ابني ، لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي. ولآخر : هذا شيخي ، وأبي. ولآخر : هذا سيّدي ، ويا سيّدي ، على طريق الإكرام ، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذن يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو أبا أو سيّدا لأنّه قد زاده في الكرامة على ما لعزير ، كما أن من زاد رجلا في الإكرام ، فقال له : يا سيدي ، ويا شيخي ، ويا عمّي ، ويا رئيسي ، ويا أميري [على طريق الإكرام ، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عمّا أو رئيسا أو سيّدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له : يا شيخي أو : يا سيّدي أو : يا عمّي أو : يا رئيسي أو : يا أميري؟].
قال : فبهت القوم وتحيّروا ، وقالوا : يا محمّد ، أجّلنا نتفكّر فيما قلته.