خليلا إلى ربّه فقيرا وإليه منقطعا ، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا ، وذلك لمّا أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى إلى جبرئيل عليهالسلام ، وقال له : أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء ، فقال له : كلّفني ما بدا لك ، فقد بعثني الله لنصرتك ، فقال : بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ، ولا حاجة لي إلّا إليه ، فسمّاه خليله ، أي فقيره ومحتاجه ، والمنقطع إليه عمّن سواه.
وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة فقد تخلّل معانيه ، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كأنّ معناه العالم به وبأموره ، فلا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، وأنّ من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأنّ معنى الولادة قائم.
ثمّ إن وجب ـ لأنه قال الله تعالى : إبراهيم خليلي ـ أن تقيسوا أنتم فتقولوا : إنّ عيسى ابنه ، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى : إنّ موسى أيضا ابنه ، وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : شيخه وعمّه وسيّده ورئيسه وأميره ، كما قد ذكرته لليهود.
فقال بعضهم : ففي الكتب المنزلة أنّ عيسى قال : أذهب إلى أبي؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون ، فإنّ فيه : ربّي وربّكم ، وأذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا : إنّ جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء الله ، كما كان عيسى ابنه ، من الوجه الذي كان عيسى ابنه ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا المعنى الذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له ، لأنّكم قلتم : إنّما قلنا : إنّه ابنه لأنّه تعالى اختصّه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خصّ به عيسى ، لم يخصّ به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم. فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ،